كتب رضا صوايا في “الاخبار”:
راج في السنوات الأخيرة تملّك لبنانيين لعقارات في دول، أبرزها قبرص واليونان وتركيا، تمنح المستثمرين فيها الحق في الحصول على الإقامة والجنسية مقابل الاستثمار العقاري. السعي للحصول على جنسية أجنبية – أياً تكن – بلغت ببعضهم حدّ «التبرع» بالمال لجزر نائية كجزيرتَي دومينيكا وسانت كايت ونيفيس اللتين لا يعرف كثيرون أين تقعا على الخريطة (تشترط الأولى تبرعاً بمبلغ 100 ألف دولار والثانية بـ 250 ألفاً مقابل منح المتبرّع جنسيتها). هذه الهجمة التي شهدت تراجعاً في السنوات الماضي، سجّلت منذ الشهر الماضي تصاعداً دراماتيكياً، مع تصاعد مخاوف اللبنانيين على مصير ودائعهم المأسورة في المصارف، ومحاولاتهم استبدالها بعقارات في الخارج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
«تلقينا أكثر من ثلاثة آلاف اتصال، في الأسابيع الثلاثة الماضية، من أشخاص يرغبون بشراء شقق في قبرص»، يقول جورج شهوان الرئيس التنفيذي لشركة Plus Properties، إحدى أبرز شركات التطوير العقاري في قبرص. الاندفاعة اللبنانية للاستثمار والتملك في الجزيرة ليست جديدة بل موجودة منذ زمن لاعتبارات عدة، أبرزها قربها من لبنان ومنحها إقامة أوروبية للمستثمر. إلا أن أغلب من كانوا يبحثون عن التملك في قبرص كانوا ممن يملكون قدرات مالية تمكّنهم من شراء عقارات في الخارج من باب «البريستيج». أما اليوم، فقد باتت الجزيرة المتوسطية ملجأ لكن من يبحث عن منفذ لـ«فكّ أسر» أمواله في المصارف اللبنانية.
يوضح شهوان أن الطلب على العقارات في قبرص زاد بشكل كبير «منذ ما قبل الثورة.، إذ كانت المعطيات الاقتصادية والسياسية السائدة غير مطمئنة وتنذر بتدهور الأحوال، ما دفع ببعض المتبصرين إلى الاستعجال في الاستثمار في الخارج وتحديداً في قبرص». أما من بدأوا بالبحث عن عقارات بعد تفاقم الأزمة وحجز المصارف لودائعهم «فقسم منهم اشترى شققاً جاهزة بشيكات مصرفية. إلا أن عمليات البيع هذه كانت محدودة نظراً إلى عدم توافر شقق جاهزة بما يتناسب والطلب الكبير». أما طريقة الدفع «فغالبيتها تتم عبر شيكات مصرفية بالدولار أو باليورو على أن يُسدّد قسم من سعر الشقة مسبقاً نقداً بالدولار أو اليورو».
شهوان حذّر الراغبين في الشراء «من مخاطر الاستثمار في مشاريع غير مكتملة لعدم توفر ضمانات بقدرة المطوّر على إنجازها»، مشيراً إلى أن شركته «رفضت قبول أموال لقاء مشاريع غير مكتملة معلناً أن لدينا حالياً 33 مشروعاً عقارياً قيد الإنجاز في الجزيرة». إلا أن الأخطر في الأمر أن الواقع الجديد الذي فرضته قيود المصارف «شكّل أزمة حقيقية للبنانيين الذين اشتروا عقارات في قبرص قبل الانتفاضة ويجدون أنفسهم اليوم غير قادرين على سداد الدفعات الشهرية للمطوّرين العقاريين القبارصة واللبنانيين. والمشكلة الفعلية تكمن في أنه إذا كان المطور اللبناني قادراً على تفهّم معاناة المشتري اللبناني فإن ذلك لا ينطبق على المطور القبرصي، وبالتالي قد يخسر الزبون الشقة». ويلفت إلى تقديم طلب لجمعية المصارف «للسماح بتحويل الأموال إلى الأشخاص الذين يملكون عقداً قديماً وموثُقاً وقاموا أساساً بدفع بعض مستحقّاتهم الشهرية للمطوّرين عبر البنك في فترات سابقة. وقد وعدت الجمعية بدراسة الملف».
هجمة اللبنانيين على العقارات في اليونان لا تقل حدة، إذ تغرق مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات لشركات عقارية عن عروضات للتملك في اليونان مع تسهيلات للدفع في لبنان. جورج عازار، صاحب شركة Key Properties، أوضح أن «الطلب على العقارات في اليونان زاد بنسبة 70% خلال شهر واحد فقط، وغالبية الطلبات تتركّز على شقق وعقارات غالية الثمن». وأشار الى أن شركته «تقبل الدفع عبر شيكات مصرفية وبكامل ثمن الشقة، شرط أن يكون الشيك بالدولار أو باليورو. وفي بعض الحالات قبلنا تقاضي مبالغ بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف، على أن يُسدد باقي المبلغ بالدولار».
الأمر نفسه ينطبق على تركيا التي تشهد أيضاً إقبالا كثيفاً على الاستثمار في عقاراتها من زبائن لبنانيين. مصادر عاملة في المجال العقاري لفتت إلى أنه «بعد سنوات من الركود في الطلب أُجبرنا خلالها على التوقف عن تسويق أي عقارات منذ عام 2016 شهد الطلب في الأسابيع الأخيرة صعوداً صاروخياً. ولو كنّا نملك 1000 عقار جاهز للبيع لكنا قادرين على بيعها جميعاً في فترة وجيزة»!