IMLebanon

الورقة الإصلاحية المدخل نحو الإنقاذ

كتب ريمون ميشال هنود في صحيفة “اللواء”:

مع إنقضاء الوقت بسرعة فائقة، وفي ظل عدم تشكيل حكومة اتضح نهائيا ان الخلاف على تشكيلها هو بين المؤيّد لأن تكون من تكنوقراطيين والمؤيدين لأن تكون تكنوسياسية يبقى وطن الأرز العربي رائعا بين جنة الخلاص وجحيم الدمار وتبقى حكومة الحلول الوسطى المعروفة الهوية وخير الأمور الوسط لقمة سائغة في أفواه التعنّت وراتعة تحت نير المأساة المتمثلة باستمرار نزيف الوضعين المعيشي والاقتصادي نزيفا حادا في ظل الموظفين اللبنانيين من آلاف المصانع والشركات التي ختمت أيادي أصحابها أبوابها بالشمع الأحمر رغم براءتها وعدم ارتكابها الجنح والجنايات والمعاصي، وفي ظل تعملق هجرة معظم أدمغة الوطن الشابة الواعدة، رأس حربته وعموده الفقري، وشريانه الحيوي.

ومهما اتخذ ذلك الحزب أو ذاك التيار من مواقف تطيل أمد الأزمة، فما من قادر على إيقاف عجلة إضاعة الوقت إلا تحلّي أقطاب الانتفاضة الشعبية بالوعي والإدراك بأن حدوث الانهيار المولود من رحم العناد العبثي سيقود البلاد في المحصلة النهائية، الى تطاحن هيستيري مجاني والى اضطرابات أمنية خطيرة بين مناصري الفريقين، قد لا تحمد عقباها. لذا فإن المنتفضين مدعوون الى الغناء مع كبيرنا الخالد في الضمائر منصور الرحباني «إذا راح الملك بيجي ملك غيرو بس إذا راح الوطن ما من وطن غيرو». من هنا ونتيجة استحالة الفريقين حسم المعركة الطاحنة لصالحه، يبقى الحوار البنّاء بين الفقراء البؤساء ومن تسبب بافقارهم هو الحل الوحيد المتبقي على قاعدة مندرجات الورقة الصلاحية وأعوّل عليها لمفاخرتي بالقول بأن انتفاضة الجائعين جعلت تلك الطبقة السياسية التي نخرها الفساد والافساد، تقدّم التنازلات لأن صحيات الاستجهان المدوية التى تحرّرت من حناجر المنكوبين هدّدت العروش بجندلتها وجعلتها تشعر ولو لأول مرة بآلام الشعب المبرحة التي سبّبها لهم الجوع الكافر. لذا وبرأيي الشخصي، فإن بدء الحوار مع حكومة تصريف الأعمال يبقى أفضل من تشكيل الحكومة، لأن تكلل الحوار بالنجاح هو المعبر نحو تشكيل الحكومة، والحصان هو من يجرّ العربة.

ومن حق كل ثائر أن يطرح سؤاله المحق نفسه على بساط البحث والقائل: ماذا يضمن لي إذا عدنا ومنحناهم الثقة مجددا ألاّ يعودوا الى فسادهم واخلالهم بالوعود. ان افضل جواب يستحقه ذلك السؤال الوجيه يقول لأنهم هزموا أمام بكاء فرحكم بالتمرّد والانتفاض، وأمام رؤيتهم دموع المحرومين نتهمر بسرعة كالشلالات الهادرة وأمام سماعهم عويل ونحيب نساء وأمهات المنتحرين الذين صعقهم القنوط الشديد، وهربوا من الحياة التي يستحقونها وأمام شعورهم باشتياق عودة الوظائف الشاغرة الى أحضان الموظفين، وبعدما تمكنت صفعات انتفاضتكم ولكماتها وركلاتها من إصابة عروشهم برعب فقدانها، وأخرست ألسنتهم بنتيجة عجزهم عن تكذيب ممارساتهم لشتى امواع فنون الفساد، وجدوا أنفسهم مرغمين على القبول ببنود الورقة الاصلاحية ومندرجاتها المحقة لحفظ ماء الوجه وتسجيل هدف الشرف. من هنا، وبما ان السلم الأهلي عزيز على قلب الوطن، وبما ان المحاولات العديدة للإلغاء قد تستغرق طيلة مدة سنوات العهد الواهن الضعيف المتبقية، وقد تأكل الأخضر واليابس وتغرق البلاد في انهيار قاتل، يجب الشروع فورا في الحوار، لأنّ إضاعة الوقت ستصيبه فورا بنكبة مدمرة. ومن جهة أخرى ولكي نكون منطقيين يجب أن نقرّ ونعترف بأنه ليس المطلوب أميركيا نزع سلاح حزب الله فقط، لأنّ مطلب نزع السلاح قد طرح كي تتمكن واشنطن من ممارسة المزيد من الضغط على الوضعين المعيشي والاقتصادي، بهدف إيجاد متنفس يسمح لها بالتقاط الأنفاس وتنفسّ الصعداء، بعدما تمكنت موسكو من زيادة تنامي نفوذها في لبنان في ظل خوضها صراعا مع واشنطن حول نفط وغاز لبنان. وفي دلالة واضحة على ما أقوله، قالت صحيفة The Time of Israel بأنها قلقة للغاية لأن القرار الأميركي بالانسحاب التدريجي من المنطقة جعل في روسيا القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط وان الانتصار الروسي في سوريا سيجعل لطهران موطئ قدم عسكري، بالقرب من الحدود الاسرائيلية. اما كريستينا سفيتلوفا الباحثة السياسية المولودة في موسكو والعاملة في المعهد الاسرائيلي للسياسات الخارجية الاقليمية، فقد قالت بأن موسكو لديها منظومة دفاع جوية روسية من طراز 300S تغطي الشواطئ اللبنانية والسورية، وتضيف بأن الخبراء الروس يجزمون بأنه في حال تشغيل هذه الانظمة، ستصاب القدرات العسكرية الاسرائيلية الهجومية بالضعف ولن يكون بمقدور إسرائيل بعد ذلك التصدّي لانتشار النفوذ الإيراني في أقطار المنطقة العربية. والدليل على استعارة الصراع بين المحورين المتنازعين، عبّرت عنه بتاريخ 27 حزيران 2019 شخصية ديبلوماسية غربية لمرجع سياسيّ لبنانيّ رفيع المستوى، عندما قالت بأن ما يهمّ الغرب في كل ما جرى، هو تمكين العهد في لبنان من الخروج من مأزقه الذي سببته له الأزمة الاقتصادية، لكن شروط المساعدة تحتّم على الدولة اللبنانية عدم بدء استخراج الغاز والنفظ لتخفيض قيمة الديون المتراكمة في الخزينة اللبنانية، إلاّ في حال قررت العيش في حالة سلام دائم مع إسرائيل، ومن ثم موافقتها على توطين الفلسطيني في لبنان. وبرأيي الشخصي هذه الشروط هي من أحد اهمّ بنود صفقة القرن، وهذه المعلومات نشرتها مجلة محلية في افتتاحيتها بتاريخ 12/12/2019.

وما يظهر بأن لبنان سيبقى سياسياً في غرفة العناية الفائقة لشهور طويلة، أكده الباحث الروسي غريغوري ميلاميدوف بتاريخ 1/12/2019 في منتدى الشرق الأوسط، وهي مؤسسة بحثية أميركية، عندما قال ان روسيا تسعى الى جذب أكبر كمّ من الدول الموالية للسياسية الأميركية الى جانب موسكو أو تحقيق موقع متميّز في سوق الأسلحة الاقليمية، وكفّ يد اميركا عن تسليح الجيش اللبناني، والحلول مكانها في تسليحه بعدما نجحت موسكو في ربط لبنان بسوريا، من خلال حلفاء سوريا، وعلى رأسهم حزب الله.

وخلص ميلاميدوف الى القول بأن أحد أهم اهداف الرئيس بوتين تمكين شركات النفظ والغاز الطبيعي الروسية، من الحصول على حقوق استخراج النفط في لبنان، وهذا ما ترفضه واشنطن. وعندما شعرت واشنطن بنوايا موسكو الساعية الى احلال نفوذها داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية مكانها، حذّر السيناتور الديموقراطي الأميركي كريس مورفي من ان حجب المساعدات الأميركية عن الجيش اللبناني ستدفع بروسيا الى الاستيلاء على مكان واشنطن في دعم هذا الجيش وفي حال وقع المحظور يضيف مورفي فإن من سيسيطر نهائيا على مقاليد الأمور في لبنان هما حزب الله وروسيا والاثنان بنظري خطيران. وبالعودة الى الصراع الأميركي – الروسي في الداخل اللبناني، فقد انتقل الى موضوع الثورة، إذ قالت صحيفة الكرميلين 7 بأن تلك الانتفاضة في لبنان، تهدد مصالح روسيا، وأكدت بأنّ واشنطن وتل ابيب تدعمان تلك الاحتجاجات بهدف اضعاف النفود الايراني داخل الحكومة اللبنانية، وضرب قوة حزب الله العسكرية وقد اتى الرد الأميركي على التحليل الروسي عبر وزارة الخارجية التي اصدرت بيانا في ليل 11/12/2019 قالت فيه بأن أي قمع للسلطة اللبنانية للمتظاهرين سيجعل واشنطن تتخذ عقوبات في القطاع المصرفي تمنع من خلالها تحويل أو إرسال أموال من لبنان الى اميركا ومن أميركا الى لبنان، وكان قد سبق لها ان قالت بتاريخ 17 تشرين الثاني 2019، أيها الشعب اللبناني نقف معك بكل فخر.

وبناء على هذا الواقع المرعب المتمثل بالصراع بين معسكرين جبّارين مدججين بأعتى أنواع الأسلحة الدبلوماسية والعسكرية، ولكي نمنع انفجار البركان مجددا في الشوارع، علينا الشروع في الحوار، فلنردد من السيدة فيروز الأرض لنا وانت اخي لماذا اذن تقاتلني هاتِ يدك، ولنعي بأن حروب الالغاء لم تكن محصلتها النهائية يوما سوى النكسات، والويلات والمآسي والنكبات.