كتب جمال عزام في “نداء الوطن”:
جمعهما “إتفاق معراب” منذ ثلاث سنوات، قبل أن تباعد الخلافات السياسية بينهما في محطات عدة، لكنهما عادا فالتقيا مجدّداً على كلمة سواء: لا لتكليف الحريري على رأس حكومة تكنو – سياسية، ما طرح تساؤلات عدة حول إمكانية وجود أي تنسيق بين الطرفين المسيحيين.
هذا السؤال يستفزّ “التيار” قبل طرحه، فيسارع إلى نفي وجود أي تنسيق مع “القوات”، ويرفض التعليق على مواقف رئيس “القوات” سمير جعجع وقوله إنّ رئيس “التيار” جبران باسيل لم ينتقل الى المعارضة بل نُقل إليها، مكتفياً بالقول: “لنا رأينا وله رأيه، وللرأي العام أن يحكم على موقف كل طرف، فنحن نتّخذ مواقفنا عن اقتناع لا عن مصلحة”.
“التيار” الذي يراقب ضيق الهامش أمام الحريري، لا يخفي قلقه من مجرى الأحداث “فاستمرار المكابرة ومعاندة الحل المنطقي للأزمة قد يهدّد بمزيد من الاضطرابات ويزيد من معاناة الناس، ويرفع الكلفة المالية والاقتصادية الناجمة عن عدم وجود حكومة إنقاذ فاعلة”.
وبالنسبة لـ”التيار”، فإن “الحريري يعرف الخيارات المطروحة أمامه وهي ليست كثيرة ويبقى أفضلها للبنان السير باقتراح تكتل “لبنان القوي” بولادة حكومة مؤلّفة من أهل الجدارة والنزاهة رئيساً ووزراء، تتصدّى للأزمة الحادة تفادياً لتعميق الانهيار. وهذا يستدعي أن يسارع الحريري إلى اختيار شخصية جديرة وموثوقة يتمّ التوافق على تكليفها لتولي رئاسة الحكومة. وبالتشاور مع رئيس الجمهورية وبمساعدة ودعم الكتل البرلمانية يؤلف رئيس الحكومة المكلّف حكومة تضم وزراء يتمتعون بالنزاهة والجدارة، ومن الضروري أن يشارك أصحاب الجدارة من بين الحراك ليتحمّل المنتفضون مسؤوليتهم في عملية الإنقاذ، بدل أن يواصل أهل السياسة استغلالهم قمعاً أو تشجيعاً بحسب مصالحهم”.
أما الأسباب التي دفعت “القوات” لعدم تكليف الحريري فهي تختلف كثيراً عن التي دفعت “التيار” لعدم تكليفه، وتذكّر “القوات” بأنها انتقدت، ولا تزال، الخيارات السياسية الحكومية للعهد ولباسيل، وعندما تفعل ذلك فهي عملياً تنتقد موقف المنتقد وليس المتقاطع. فهي تعارض تأليف حكومة سياسية يرغب العهد بها، وتعارض حكومة اختصاصيين ميثاقية كما يطرحها باسيل كونها نسخة مجمّلة عن الحكومات السابقة، فاختيار وزرائها سيكون من الرؤساء أو رؤساء كتل الاحزاب، ما يعني العود على بدء. وبالتالي موقف “التيار” من الحريري نابع من تصفية حسابات، فيما القوات أكدت ولا تزال حرصها الشديد على العلاقة الاستراتيجية التي جمعت الطرفين منذ العام 2005 في الموضوع السيادي. لكن اليوم، وانطلاقاً من عاملين أساسيين: حكومة الاختصاصيين المستقلين التي نادت بها “القوات” في أيلول وقبل انتفاضة 17 تشرين، ومطالبة الثورة بحكومة من هذا النوع، ربطت “القوات” ثقتها بالحريري بالتأليف وليس بالتكليف، ففي حال نجح بتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين ستمنحه ثقتها مجدّداً، إذ إنها تخشى مما يمكن أن يحصل بين مساري التكليف والتأليف.