Site icon IMLebanon

الشعب يموت والدولة “لا حوْلَ ولا…”

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

إذا كان الخوف بشكل عام هو المحفّز الأول لاتخاذ ردود فعل دفاعية سريعة، فإن الخوف على الصحة، أغلى ما يملك الإنسان، تُسَخَّر له كل الإمكانيات المادية والمعنوية لتوفير العلاج فوراً. لكن هذا ما لم ولن، كما يظهر، يحصل في لبنان، وسيرقد مع بداية كانون الثاني 15 في المئة من المرضى في المستشفيات من دون القدرة على تأمين العلاج لهم، إذا استمر الوضع على هذه الحال.

عند خروجي من مؤتمر “الكارثة الصحية” الذي نظمته نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية في لبنان في قاعة Forum de Beirut إنتابني الفضول لسؤال كبار السن في منطقة “الرميل” المجاورة عن معلومة وردت في “المؤتمر” تفيد بأن لبنان “لم يشهد في تاريخه مثل هذه الأزمة”. وبالفعل أجمع كل من التقيتهم من أشخاص عايشوا الحرب العالمية الثانية والحرب اللبنانية على ان “ما يحصل غير مسبوق”.

الكلمات في المؤتمر “الكارثي”، الذي حضرته مختلف النقابات التي تعنى بالصحة، كانت مرعبة. وكان كلما اعتلى ممثل نقابة المنصة ليشرح واقع قطاعه، تزداد المخاوف مما ستحمله الأيام المقبلة من مآسٍ لن توفر أحداً على الإطلاق.

معوقات القطاع الصحي، من شركات الأدوية والأجهزة والأدوات الطبية والمستشفيات والصيدليات، تتلخّص في عدم القدرة على تأمين الدولار للإستمرار في الإستيراد، ومن يملك منهم في حساباته ودائع بالعملة الخضراء أصبحت رهينة الـ capital control غير المعلن، يعجزون عن سحبها أو تحويلها إلى الخارج. أما إجراءات مصرف لبنان التسهيلية التي طلبت تأمين 15 في المئة من قيمة الفاتورة بالدولار بالنسبة إلى مستوردي الأدوية، و50 في المئة بالنسبة لمستوردي المستلزمات الطبية، و100 في المئة لاستيراد الأجهزة وقطع الغيار الطبية، فهي تعتبر بحسب النقابات طلبات مستحيلة، لا تستطيع أي جهة تأمينها.

الناس تُحجم عن الإستشفاء

صحيح ان تجمّع الشركات المستوردة للأجهزة والمستلزمات الطبية، الذي عاد ليحذّر من امكانية انفجار الكارثة في بداية العام القادم، كان قد طالب منذ أيلول الفائت الدولة بتأمين الحلول للإستيراد، لأن المخزون يكفي لمدة شهر فقط. لكنّ الذي تغيّر أن “نسبة الإستشفاء منذ تشرين الأول ولغاية اليوم انخفضت بنسبة 50 في المئة، وهذا الكلام يستطيع نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة تأكيده”، تقول المتحدثة باسم نقابة مستوردي الأدوات والأجهزة الطبية سلمى عاصي. شركتان من أصل 160 شركة استطاعت تحويل الاموال إلى الخارج للإستيراد عبر “مصرف وحيد” يقدّم التسهيلات، فيما بقية المصارف تستنسب تطبيق قرارات مصرف لبنان ولا تعتبر الشيكات المقبوضة أموالاً طازجة fresh money.

أما بخصوص مصرف لبنان والقرار 530، فالإتفاق مع حاكم “المركزي” رياض سلامة كان يقضي بتأمين الشركات المستوردة للمستلزمات نسبة 15 في المئة من قيمة الفاتورة بالدولار، لكنهم تفاجأوا في رفع النسبة إلى 50 في المئة، وعدم شمول الأجهزة الطبية وأدوات الغيار بالتسهيلات، وهو ما ينافي الإتفاق. وهنا تسأل عاصي: “كيف نستطيع تركيب بروتيز من دون ماكينة؟ وكيف يُمكن ان نُجري عملية من دون تجهيزات غرف العمليات؟”.

المستشفيات تختنق

المستشفيات الخاصة، بدورها مهددة بالإقفال النهائي، بعدما عمد البعض منها مؤخراً إلى إقفال طوابق وأقسام لتخفيف الاكلاف، وهي “ستصبح في حالة انهيار كامل مطلع العام القادم” يوضح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. أما السبب فهو عجزها عن تحصيل ديونها المتراكمة منذ العام 2011 على الدولة والتي تتجاوز 2000 مليار ليرة. ففي الوقت الذي يتزايد فيه الدين على الدولة شهرياً بمعدل 90 مليار ليرة، لا تتخطى وتيرة الدفع الفصلية، أي كل 3 أشهر، الـ 75 ملياراً، وهو ما يُراكم الديون ويوقع المستشفيات في عجوزات كبيرة.

 

ويلفت هارون إلى أن “كل القطاع الصحي معلّق على حبل هذا الدين، الذي يترتب ربعه للأطباء وربعه الآخر لمستوردي المستلزمات والأجهزة الطبية، أما الباقي فهو ديون المستشفيات على المصارف”. ويكشف أن “المشاكل بدأت فعلياً في المستشفيات وفي غرف العمليات، وتتجلى في النقص الواضح في التجهيزات والمعدات وأدوات المختبرات وفي كل أقسام المستشفيات”، أما الحل برأيه فهو يتطلب “أولاً تشكيل حكومة، وثانياً جدولة مستحقات المستشفيات بدفعات شهرية منتظمة”.

نزْف “التمريض”

إذا كانت الخسائر المادية في القطاعات الصحية من الممكن تعويضها، فان خسارة الطاقم التمريضي الكفوء يستحيل تعويضه. معاناة جهاز التمريض في المستشفيات “مختلفة” بحسب النقيبة د. ميرنا أبي عبدالله ضومط، “فالقوى العاملة التمريضية تُستنزف وتَنزف.. وقريباً ستصبح مستشفياتنا من دون ممرضات وممرضين. وعندئذ ستصبح حياة المرضى في مهب الريح”. الإستغناء عن الممرضين والممرضات نتيجة الظروف الصعبة التي تمر بها المستشفيات، وعدم دفع مستحقاتهم، لا يشكلان عبئاً على العدد القليل المتبقي من الطاقم التمريضي فحسب، إنما أيضاً على صحة المريض. وتشير ضومط إلى أن ما يحصل “لا يُراعي المعايير العالمية في عدد المرضى التي يُعهد لكل ممرضة أو ممرض العناية بهم”.

إن لم تهزّ صرخة القطاع الصحي “الهيكل” اليوم، فإن صرخة الموجوعين غداً ستُسقطه على رؤوس كل المسؤولين، وعندها… لن ينفع الندم.