مخطئ من يعتقد أن نيران ثورة 17 تشرين يمكن أن تطفأ بمياه الفتنة المذهبية أو الطائفية. ومخطئ جدا من يظن أن بتحريك الغرائز والعصبيات سيسحب المنتفضين من الشارع. ومخطئ أكثر من يراهن على أن سياسة الترهيب المتدرجة تصاعديًا ولو تحولت يومية بحرق خيمة في النبطية أو بغزوة في وسط المدينة أو ببلطجة على الرينغ وإحراق شجرة ميلاد في طرابلس ستُنفس الانتفاضة.
ممارسات السلطة الحاكمة التي تتقاطع مصالحها مع بعض الأحزاب “الترهيبية” المعروفة ممارساتها وأساليبها التحريضية الممجوجة اسقطتها الانتفاضة. لم يعد العزف على الوتر المذهبي ولا التهويل به يخيف الثوار، فثورتهم عبرت كل الطوائف والفروقات المذهبية والمناطقية والاجتماعية، وحّدتهم تحت راية الوطن الحلم، تاركين خلف 17 تشرين كل ما فرقهم ومعه حِيَل السياسيين والاعيبهم.
تظاهرة النبطية التي أعقبت تحطيم وإحراق خيم نصبها المحتجون في النبطية وكفررمان، ما لبث الثوار أن أعادوا نصبها، أكدت بما تخللها من شعارات وهتافات مدى إصرار هؤلاء على المواجهة وتحدي الترهيب، كما أن إضرام النار في السيارات وفي الساحات السلمية التي انتقل اليها الحراك بعد منع قطع الطرق ودخول المندسين لمهاجمة الجيش والقوى الأمنية لم يعد عملة رائجة.
يقول مرجع سياسي لـ”المركزية” أن أكثر المتأذين من فبركات السلطة المكشوفة وكل من يلف لفّها، هم القيمون عليها الرافضون سماع صوت الشعب والمتجاهلون مطالبه الواضحة التي تنادي بلقمة عيش وبعض الكرامة الإنسانية واحترام عقول اللبنانيين وصحوتهم على الفساد، وهي ليست بالكثير، لكنها حقا كثيرة على من يرفض إقفال حنفيات الهدر التي يعتاش منها وينهب عبرها خيرات الدولة.
ويؤكد أن في موازاة التصعيد المتدرج في أساليب الترهيب، من توقيف الثوار إلى الغزوات الليلية لساحاتهم إلى إحراق ما تيسّر من قبضة الثورة إلى الخيم والسيارات، يصعّد الثوار مواجهتهم ويزدادون عزما على التصدي، لأن لا شيء يخسرونه بعدما خسروا وظائفهم واشغالهم وبات الشارع ملاذهم الأخير منعا لخسارة الوطن، خلافا للسلطة الحاكمة وأحزابها التي تراكم خساراتها وتحول مواجهتها من جمهور محدد إلى اللبنانيين عموما، باستثناء مناصريها الذين يعتاشون من فتات هذه الخيرات.
ويعتبر أن الثورة التي أسقطت حكومة “إلى العمل”، هي نفسها ستُسقط أي حكومة مقبلة لا بل ستتجه بمطالبها تصاعديا وصولا إلى إسقاط كل رموز السلطة، إذا ما استمر أهل الحكم في تجاهلها والتعاطي مع ملف تأليف الحكومة كما قبل 17 تشرين، والخشية من أن يستمر هذا التجاهل إلى لحظة تصعب العودة معها إلى الوراء. وينصح بأن الاخذ بمطالب الثورة كلفته أقل بأشواط من استمرار استفزازها إلى درجة الانفجار الذي يتهم “حزب الله” الثوار بالسعي إليه لتنفيذ مآرب ومؤامرات خارجية عليه من ضمن السياسة الأميركية الهادفة إلى اقتلاعه من الجذور، بأدوات داخلية.
وما يكشف مخطط السلطة لإجهاض الثورة هو أن القوى الامنية لا توقف واحدا من المندسين، على رغم أنها تؤكد البحث عنهم، فيما هم معروفون بالاسم والوجه والهوية والانتماء الحزبي، يُستخدمون عشية كل استحقاق، تارة لتوجيه رسائل سياسية وأخرى للضغط على الثوار لإنهاء ثورتهم وإخراجهم من الشارع، فالشارع لهم، وهم أربابه وأسياده ولن يقبلوا بأن تؤول هذه الورقة إلى غيرهم.
باختصار يختم المرجع، إن سياسات ما قبل الثورة لم تعد تنفع بعدها، وتقاطع مصالح السلطة وأحزابها عند مركزية إخماد الثورة سيحرقها، وأي رهان على خلاف ذلك مصيره الفشل الحتمي.