كتب حسن خليل في صحيفة “الجمهورية”:
صحيح أنّ حاجز الصمت والخوف انكسر، وصحيح أيضاً أنّ الثورة انبعث منها الآلاف من الغاضبين في الشارع، وصحيح أيضاً وأيضاً أنّ أهم إنجاز للثورة هو ظهور وفعالية جيل كامل من الشبّان والشابات يرفض الواقع الحالي كما يرفض كل ما أخبره عنه الأهل من ممارسات السياسيين وإدارة الدولة والبلد خلال جيل أهاليهم. ينتقد البعض هذا الجيل، ويتهمه بفقدان الحد الأدنى من الوعي السياسي الذي كانت تتمتع به الأجيال السابقة. لكن واقع الأمر أنه في ضوء الممارسات المستمرة للقائمين على أمور البلاد والعباد، من الأفضل للجيل الجديد أن يبقى كما هو متوجهاً صوب الحضارة والمدنية والعلمنة، بدل أن ينغمس في آتونات الطائفية والمذهبية المزيفتين.
هذا في الإيجابيات، أما عندما نتحدث عن المخاطر التي يجب لفت انتباه الثورة والثوار لها فهي عديدة، وعليهم الحذر من عدم الوقوع في الأفخاخ المرسومة، والتي قد يكونوا من خلالها وقوداً للتسويات المقبلة. فساد في الدولة ومفاصلها أدى الى تدهور موازنة الدولة وماليتها، عجز مستمر في الموازنة أدى الى خروج الدين العام عن السيطرة، والآن تبيّن أن القطاع المصرفي والودائع أيضاً في خطر. هذا هو الزخم الذي يجب أن يتغذى منه الحراك في الشارع.
في المقابل، على قيادة الحراك (في حال استدرك الثائرون ضرورة خلق قيادة، وتوحيد المطالب) أن تَعي أنّ حركتهم وثورتهم مرتبطة، شاؤوا أم أبوا، مباشرة أو مواربة بالمعطيات الآتية:
1 – الطرف الأقوى سياسياً وحضورياً في الساحة اللبنانية، أي محور حلفاء المقاومة يتصرف بهاجس المؤامرة الإقليمية والدولية عليه. يناور ويفاوض ويساوم بهدف تأليف حكومة لا يتم من خلالها الإلتفاف على كل إنجازاته خلال الثلاثين سنة الماضية.
2 – الطرف المنادي لمحور المقاومة يتوزع من خلال أطراف عدة. «حزب الله» يريد الحريري لرئاسة الحكومة. وقرار الحريري ليس في يده، والواضح أنه يعاني عدة صدمات طعن في الظهر جعلته يبدو كئيباً مهما حاول تثبيت خطواته.
الرجل طُعن من أقرب الأقرباء، و»أوفى الحلفاء»، حتى بات واضحاً أنه يعاني كآبة نفسية تؤثر وستؤثر في قراراته السياسية، خصوصاً في انكماش حلقة المستشارين الموثوقين حوله.
3 – إنتهاء صلاحية التسوية الرئاسية بين «التيار الوطني الحر»، وتحديداً الوزير جبران باسيل، مع سعد الحريري شخصياً، وإلحاقاً بأن التباعد المستجدّ هو أيضاً نتيجة الضغط على الحريري للضغط وعزل جبران باسيل.
4 – يتحرك الشارع في ضوء تعقيدات محلية وإقليمية ودولية لم يعد من الممكن فكّها عن بعضها. فبالإضافة الى التعقيدات السياسية واستعمال الغرائز المذهبية فيها، هناك انفلاش لبنان على الصراع الأميركي – الإيراني، حيث أنه بات واضحاً أنّ الأميركي يريد إيذاء الإيراني من خلال تجويع حليفه اللبناني، بينما يواجه الإيراني هذا التهديد برفع وتيرة التحدي من جهة، وانفتاحه على أية اقتراحات تسوية ما، من غير التنازل عن ثوابته الإيديولوجية. دخل الملف اللبناني، شاء من شاء وأبى من أبى، في تعقيدات الملفات الإقليمية من اليمن الى العراق وسوريا.
5 – وسط كل هذه التعقيدات، يتعرّض بعض الثائرين لأزمة مالية، نتيجة قلّة وشح الموارد، بينما تظهر «الخيرات» في زوايا متعددة من الساحات.
6 – عامل الزمن والطقس ليس في صالح من يقضون الليالي في الخيام أو على الأرصفة، فها هما فصلا الخريف والشتاء يضغطان ببردهما ومطرهما، بينما يضغط الواقع المصرفي والمالي والمعيشي على كل من تبقّى لديه الحد الأدنى من مقوّمات الصمود. «قوى الخير»، كما «قوى الشر» تعرف هذا الواقع. الأولى ترتبك والثانية تنتهز.
7 – لا يمكن لأي حراك أو ثورة أن يستمرّا لفترة طويلة، ومهما ادّعى بعض المنظّرين، بدون قيادة بالحد الأدنى، أو بالصراخ فقط «كلّن يعني كلّن»، وبدون مشروع بديل للسلطة أو للحكم، أو على الأقل توحيد الحد الأدنى من المطالب.
هذه التفاصيل والتعقيدات يجب أن تكون في وجدان وعقل وحكمة كل مسؤول قيادي في الساحات، وأخطر عقلية غير واقعية هي التي ستتصرف بأنّ الثورة في لبنان مترفّعة عن كل التدخلات، وأنها غير معنية بالتعقيدات الإقليمية والدولية، وعلى القيادات أن تأخذ في الإعتبار كل المعطيات المحلية والإقليمية والدولية، وإلّا ستطيح بكل آمال وتضحيات كل الشرفاء الذين نزلوا الى الشوارع والساحات لينتفضوا على ممارسة الإذلال التي استمرت على أكثر من 30 عاماً. لا يُلام فرد ما على أمور ونتائج خارجة عن سيطرته، ولكنه مسؤول اذا ما أطاح أو أفشَل نضالاً وطنياً نتيجة جهله أو غبائه أو تآمره.