IMLebanon

خطوة الحريري تربك الطبقة السياسية في لبنان

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري، الأربعاء، اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة، متمسكا بإجراء الاستشارات النيابية في موعدها الخميس، في خطوة ربطها البعض بالانقلاب الذي طرأ على المشهد السياسي في الأيام الأخيرة والذي أضعف موقف الحريري بشكل واضح.

وقال الحريري في تغريدات على موقعه على تويتر “منذ أن تقدمت باستقالتي قبل خمسين يوما تلبية لصرخة اللبنانيين واللبنانيات سعيت جاهدا للوصول إلى تحقيق مطلبهم بحكومة اختصاصيين رأيت أنها الوحيدة القادرة على معالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي يواجهها بلدنا”.

وأضاف “لما تبين لي عبر المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي أنها مواقف غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن أنني لن أكون مرشحا لتشكيل الحكومة المقبلة، وأنني متوجه غدا (الخميس) للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت”.

وأعاد رئيس تيار المستقبل من خلال إصراره على عدم تأجيل الاستشارات النيابية مجددا، الكرة إلى ملعب باقي القوى، محملا ضمنيا في تغريداته كلا من التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل مسؤولية الانسداد الحاصل على خلفية تشبثهم بحكومة سياسية مطعمة باختصاصيين.

ويرى محللون أن خطوة الحريري أربكت الطبقة السياسية في لبنان برمتها خصوصا وأن بعض المداولات كانت تحدثت عن اتفاقات جرت معه في هذا الصدد.

ولفت المحللون إلى أن تأجيل قرار كتلة المستقبل النيابية حول من ستسمي لتشكيل الحكومة المقبلة إلى صباح اليوم الخميس من شأنه أن يضع باقي الكتل النيابية في موقف صعب، خصوصا إذا كان قرار الحريري قد تم دون أي اتفاق على اسم بديل يوافق عليه لرئاسة الحكومة.

وامتناع كتلة المستقبل عن تسمية أحد من شأنه سحب الميثاقية عن أي اسم بديل، خصوصا أن المعلومات التي تسربت عن دار الفتوى على لسان المرشح السابق لموقع رئاسة الحكومة سمير الخطيب، كانت أشارت إلى أن الطائفة السنية اختارت الحريري دون غيره.

وخلصت بعض المصادر إلى أن الاستشارات النيابية قد تؤجل من جديد على الرغم من طلب الحريري عدم تأجيلها وتأكيده أنه سيشارك فيها وكتلته الخميس.

واعتبرت أوساط برلمانية أن خطوة الحريري وضعت حدا للجدل الذي دار في الساعات الأخيرة حول ضغوط داخلية وخارجية لاستبعاده عن موقعه، إلا أنها في نفس الوقت تنقل الكرة إلى ملعب الثنائية الشيعية، لاسيما حزب الله في تقرير الخيارات المقبلة.

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية خانقة، تهدد بإفلاسه على وقع حراك شعبي مستمر منذ أكتوبر الماضي، يطالب بإنهاء احتكار الطبقة السياسية الحالية للسلطة وتشكيل حكومة تكنوقراط  تتولى عملية إنقاذية للبلاد.

وخلال الفترة الماضية كان الحريري يفاوض بقية القوى السياسية من موقع القوي القادر على لعب دوره كحاجة حتمية للجميع، بيد أن الوضع خلال الأيام الأخيرة تغير. وكشف اللقاء المطول الذي جمعه، الثلاثاء، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن تصدّع أوراق الحريري عشية موعد الاستشارات المفترض أن تجري اليوم الخميس.

وقالت مصادر إن الحريري لم تكن أمامه خيارات كثيرة في ظل غياب الغطاء المسيحي، رغم أن كلا من حركة أمل وحزب الله متمسكان به رئيسا للحكومة المقبلة، وأن بري في لقائه مع الحريري الأخير قد تناول مسألة الميثاقية، معتبرا أنه لا مشكلة في هذه القضية، مذكرا بأن الرئيس نجيب ميقاتي نال أصواتا قليلة من النواب السنة عام 2012 دون أن يشكل الأمر عائقا ميثاقيا.

ونقل عن نبيه بري، الأربعاء، قوله إن “على الجميع الإقلاع عن سياسة الهوبرة والمكابرة والعمل بمسؤولية وطنية على نزع كلّ عوامل التعطيل وعدم التقليل من خطورة الوضع في البلاد”.

وتأتي هذه التطورات المتسارعة قبل ساعات من زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى لبنان. وقالت أوساط قريبة من السفارة الأميركية في لبنان إن زيارة هيل لا تستهدف التأثير على المداولات الداخلية اللبنانية المتعلقة بالأزمة الحكومية الراهنة.

وأضافت هذه الأوساط أن الدبلوماسي الأميركي الرفيع الذي من المقرر وصوله إلى بيروت مساء الخميس، سيلتقي مع كافة المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمهم الرؤساء عون وبري والحريري، إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، ومسؤولين لبنانين آخرين، وأن لا صحة لكل التحليلات التي نشرتها الصحافة اللبنانية حول حيثيات الزيارة وأهدافها.

في المقابل فإن أوساط برلمانية تنظر إلى الزيارة بصفتها مهمة لجهة أنها الأولى لمسؤول أميركي منذ اندلاع الحراك الشعبي اللبناني، وأنها تأتي بعد إفراج إدارة الرئيس دونالد ترامب عن مساعدات كانت معلقة للجيش اللبناني قيمتها 105 ملايين دولار وبعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن رزمة عقوبات جديدة طالت شخصيات لبنانية، قيل إن أحدهم قريب من بري فيما آخر قريب من رئيس التيار الوطني الحر.

وتقول هذه الأوساط إنها تراهن على هذه الزيارة لفهم الرؤية الأميركية التي باتت غامضة للبنانيين بشأن بلدهم، كما للاطلاع على المزاج الدولي العام، لاسيما من قبل المؤسسات المالية الكبرى (البنك وصندوق النقد الدوليين) بشأن الدعم المالي للبنان وشروطه السياسية. وفهم أن هيل سيعلن موقفا بعد اجتماعه مع الرئيس عون في بعبدا الجمعة.

واستبعد مراقبون أن يكون قرار السير في موعد الاستشارات النيابية أو تأجيله مرتبطا بزيارة هيل. ويرى هؤلاء أن التطورات قد تذهب إلى خلط الأوراق من جديد بحيث يعود التيار الوطني الحر للمشاركة في الحكومة وفق صيغة يقترحها بري تقضي بتشكيل حكومة ثلثاها من التكنوقراط على أن تتمثل القوى الأساسية من خلال خبراء تسميهم داخل هذه الحكومة.

وفي ضوء اعتذار الحريري من المرجح إعادة تعويم بعض الأسماء لرئاسة الحكومة، خصوصا في غياب أي ضغوط خارجية جدية لصالح أي من المرشحين.