سعر صرف الدولار الواحد في تركيا يساوي 5 آلاف ليرة لبنانية… خبرٌ ضجّ به لبنان في الأيام الأخيرة، ولا سيما مع تَطَرُّق خبراء اقتصاديين للأمر، مستندين في معلوماتهم إلى فيديو تم تداوله، قيل إنه داخل أحد محال الصيرفة في مطار اسطنبول ويُظْهِر احتساب الـ100 ألف ليرة لبنانية بـ21 دولاراً، ما أثار غباراً كثيفاً وطَرَحَ علامات استفهام فيما لو كان الخبر صحيحاً والنتائج المترتّبة عليه.
الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة كان من أوائل الذين أضاؤوا على الخبر، محذراّ من مَخاطره، وداعياً الدولة اللبنانية الى التحرّك لمنْع تهريب الدولار إلى تركيا واستبداله بالليرة اللبنانية من أجل جني أرباح طائلة باعتبار أن سعر صرف الليرة في بيروت مقابل الدولار يناهز 2000 في السوق الموازية (السعر الرسمي يبقى بحدود 1510 ليرات).
وفي اتصال مع «الراي» شرح عجاقة الأسباب التي قد تدفع إلى لجوء الأتراك لشراء الدولار بهذا السعر المُغْري، حيث قال «يعتمد الاقتصاد التركي بقسمٍ كبير منه على طلب الدول المجاورة لاستيراد البضائع ومن ضمنها سورية ولبنان والعراق، وبالتحديد البلد الأخير. ومنذ الأزمة التي شهدها العراق ولبنان، تُواجِهُ السوق التركية مشاكل كثيرة، نتيجة انخفاض الاستيراد من هاتين الدولتين، وبالتالي انخفاض كمية الدولارات التي كانت تدخل إلى البلد».
وأضاف أن حاجة تركيا إلى الدولارات دفعتْها لمبادلة الليرة اللبنانية بهذا السعر، حيث أوضح أن انتشار الخبر بدأ بعدما كان أحد المسافرين اللبنانيين في المطار التركي، حيث رأى إعلاناً على إحدى الشاشات يُظْهِر أن 100 ألف ليرة لبنانية تعادل 21 دولاراً.
وفي قراءة عجاقة أن الأمر هو في إطار عملية استقطاب للدولارات، ولا سيما أن الليرة اللبنانية متوافرة في تركيا من خلال استيراد التجّار اللبنانيين وخصوصاً الطرابلسيين للبضائع التركية حيث يدفعون بالليرة اللبنانية، وأضاف «الأرباح التي يمكن للبنانيين أن يحققوها من خلال بيع الدولار في تركيا مقابل الليرة اللبنانية كبيرة، لكن في الوقت نفسه يكونون قد سحبوا الدولار من السوق اللبنانية، وهذه العملية تسمى (شفاطة دولار)، ولذلك نبّهتُ منها».
وبيّن أن هذا لا يعني أن نمنع اللبنانيين من حمْل الدولارات الى الخارج، بل عند قدومهم الى وطنهم يجب مساءلتهم على مختلف الحدود البحرية والبرية والجوية، إذا وُجد بحوزتهم مبلغ كبير من الليرة اللبنانية، اذ ما حاجتهم به في غير وطنهم»؟
وقال «لا معلومات عن كمية الدولارات التي حُوِّلت الى الليرة اللبنانية في تركيا حتى الآن، الأكيد أنه سبق أن تم إلقاء القبض على أحد الصيارفة يحاول تهريب 1.3 مليون دولار نقْداً إلى الخارج، وهذه حالة من عشرات الحالات المماثلة التي لم يَجْرِ كشْفها والتي تتبع الطريقة نفسها لتحقيق المكاسب غير المشروعة، كما دَخَل صيارفة بحوزتهم عملات نقدية عربية مختلفة إلى لبنان، قاموا بتبديلها إلى الدولار قبل شحْنها إلى تركيا».
ولفت إلى أن القانون رقم 42 تاريخ 24/11/2015 ينص على «التصريح عن نقْل الأموال عبر الحدود عندما تفوق قيمتها مبلغ 15 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأخرى. والتصريح هو إعطاء معلومات تفصيلية عن هذه الأموال الجاري نقلها وخصوصاً عن كل مَن يملك هذه الأوراق، ووجهة استعمالها ومصدرها ومَن يقوم بنقْلها واستلامها».
ومعلوم أنه سبق للنائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات أن أَمَرَ (أواخر أكتوبر الماضي) بمنْع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة في حقائب صيارفة وتجار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية والتي تتم بتصريح عادي معتمد لدى الجمارك اللبنانية، وقد تم التنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحيث تعمد مديرية الجمارك الى إخضاع عمليات نقل الأموال الى أنظمة يحددها مصرف لبنان المركزي.
من جانبه نفى الخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو الخبر الذي يتم تداوله في لبنان مؤكداً في اتصال أجْرته معه «الراي» أن «لا علاقة لليرة التركية بالليرة اللبنانية، فالبنك المركزي التركي لا يملك الليرة اللبنانية، في حين أن المركزي اللبناني وحده مَن لديه مخزون منها، ولذلك هكذا خبر لا يمكن لعاقل أن يصدّقه، إضافة الى أنه لا توجد اتفاقية ثنائية مالية لتَبادُل التعامل بالعملات المحلية بين البلدين على نظام (السواب)، كما الحال بين تركيا وروسيا وتركيا وايران»، طالباً ممن يدّعون حصول ذلك إظهار أدلّتهم.
ولفت الى أن الهمّ الأساسي في تركيا هو تحسين الوضع الاقتصادي التركي، معتبراً أن سبب هذه الإشاعات تسييس المواضيع الاقتصادية وربْط الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان بتركيا من خلال اتهامها بأنها تسعى الى زعزعة الاقتصاد اللبناني.
وقال «من يجيّر الوضع الاقتصادي المُنهار في لبنان الى تركيا يضرب عصفورين بحجر واحد، فإخفاء المسبّب الحقيقي للوضع الاقتصادي المُنهار الذي أدى الى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية تجاه الدولارهو الضبابية الموجودة لدى القوى السياسية المبعثرة داخل لبنان، وثانياً لشيْطنة تركيا والادعاء أنها السبب الرئيسي وراء ما يحدث في العالم العربي، ولهذا أؤكد أن ما يتم تداوله في لبنان مُخْجِلٌ وليست له قيمة».
وأضاف أنه عندما تريد تركيا تعويض نقْص الدولار فإنها ستقوم بذلك من خلال تشجيع الصادرات، ما يُظْهِر سبب ارتفاع الصادرات إلى 11 في المئة، كذلك من خلال تشجيع الاستثمار الأجنبي، وعلى سبيل المثال منْح الجنسية لمن يشتري عقاراً بقيمة 250 ألف دولار أو يضع 500 ألف بالمصرف، وكذلك تشجيع الصادرات من خلال إعفاء التجّار من الضريبة، أي أنها تعوّض نقص الدولار بشيء تملكه وليس مقابل شيء لا تملكه كالليرة اللبنانية.
دعاية غير صحيحة
أوضح الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ «الراي» أن هناك دعاية غير صحيحة، والحقيقة أنه في الفترة الماضية كانت أعداد اللبنانيين الذين يقصدون تركيا كبيرة، وعند تَراجُع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، بدأ بعض التجار الأتراك بالتعامل بالليرة اللبنانية مع اللبنانيين على أساس سعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانية، وعندما حصلتْ الأزمة الأخيرة خشي التجار الذين يملكون مبلغاً من الليرة اللبنانية من خسارة قيمته قرروا استبداله بالدولار مع اللبنانيين الذين قصدوا تركيا من خلال سعر صرف وصل الى 5000 ليرة مقابل الدولار الواحد، لكن حجم المبلغ الذي استُبدل من قبلهم بسيط جداً ولا يزيد على 200 ألف دولار».