أسوأ من الأداء السياسي للسلطة الحاكمة بفسادها اللامتناهي وعلاّتها الأكثر من أن تحصى، لاسيما صفقاتها المُعلّبة التي تُحَوّل الاستحقاقات الدستورية مجرد مسرحيات سياسية هزلية جمهورها الشعب الثائر، بناء جدران بين اللبنانيين والمؤسسة الدستورية التي يُفترض أنها تمثلهم، فهي لحظة رفع الجدار أسقطت عن نفسها صفتها التمثيلية وحوّلت المجلس النيابي إلى فاقد للشرعية. إذ بالعودة إلى مقدمة الدستور،”الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”، وحينما يصبح بين “صاحب السيادة” ومن يمثله حاجز تعود السيادة لصاحبها.
مصادر سيادية تسأل عبر “المركزية” هل بناء الجدار الفاصل بين الشعب والسلطة التشريعية أسهل على السياسيين من بناء جدار الثقة التي فُقدت بفعل ممارسات السلطة التي أودت بالبلاد إلى حيث هي اليوم في الهاوية الاقتصادية والمالية والاجتماعية السحيقة؟ ولمَ لا تحاول هذه السلطة، على الأقل لحفظ ماء الوجه لا أكثر، إعادة بناء الثقة ولو بالحد الأدنى، بعدما هدمتها بمِعوَل فسادها، فتعمد إلى فتح قنوات تواصل بين الشعب وممثليه لسماع نبض الناس والعمل على تلبية مطالبهم لتحقيق العدالة الاجتماعية وصولا إلى مستقبل أفضل، عوض استخدام الفتنة التي تتقنها جيدا لضرب الثورة ومطالبها؟
وإذ تؤكد أن السلطة باتت عن حق من دون شرعية بعدما سحب منها الشعب وكالته، توضح أنها عرّت نفسها بنفسها وكشفت ألاعيبها بدفع اللبنانيين ضد بعضهم البعض لإشعال الفتنة وإسكات الصوت ضد الفساد، سائلة بعد ليالي الغزوات “الميليشياوية” وإحراق الخيم في صيدا وكفررمان يهبّ “حزب الله” وحركة “أمل” إلى نفض أيديهما من ” البلطجية” ليتبين في اليوم التالي أن قيادتيهما في صيدا تسلمان إلى الجيش عددا من المطلوبين من حارة صيدا للاشتباه فيهم، على خلفية الأحداث وعمليات التخريب التي جرت في ساحة إيليا قبل أيام.
أما فيديوهات التحريض الأسوأ من “أدوات الشغب” التي توزعها أحزاب السلطات في الساحات لتعيث خرابًا وحرقًا وتحريضًا فلا تقلّ سوءا عن هؤلاء، وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن من يقف خلفها هي السلطة نفسها، ما دامت تشكل وسيلة تخدم هدفها الأساسي للمرحلة، إخماد الثورة بترهيب الثوار وترويعهم كل ليلة بطريقة مبتكرة بحرق سياراتهم أو بالاعتداء على القوى الأمنية من خلال الاندساس بين الثوار ورشقها بالحجارة والمفرقعات النارية وما تيسّر بين أيديهم من “عدة العمل”، وإلا وإذا كان الأمر خلاف ذلك، وسلسلة المواقف السياسية والحزبية المحذّرة من الفتنة حقيقية لا تهويلية، لمَ لا تعقد حكومة تصريف الأعمال جلسة خاصة بالوضع الأمني تتخذ في خلالها الإجراءات الكفيلة بمنع انزلاق البلاد نحو الفتنة المذهبية والحرب الأهلية، إذا كان لها من بيئة مناسبة وأرض خصبة، كما يروجون، وهو ترويج بعيد كل البعد عن الحقيقة في ضوء ثورة لا تنادي إلا بالسلمية ووجود فئة حزبية واحدة تملك السلاح في لبنان تسأل المصادر؟.
وتتابع: وإذا كان من خوف حقيقي لدى المسؤولين على الاستقرار الأمني الذي ما يزال الوحيد الصامد في وجه الأزمات، بعدما انهار الاستقرار السياسي والاقتصادي، أين المجلس الأعلى للدفاع من قراراته السرية المفترض أن تضع حدا للممارسات البلطجية والفتنوية الليلية وأين هو من الاعتداءات الميليشياوية على الثوار المسالمين الذين تدعو دول العالم المهتمة بلبنان إلى حمايتهم، وهل يُعقل أن تكون هذه الدول أكثر حرصًا على اللبنانيين من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم؟ أم أن هؤلاء ما زالوا يعيشون نشوة بعض تظاهرات مناصريهم التي حاولوا عبرها إظهار الشعب منقسما وغير موحد على مطلب تنحي مَن فشل في إدارة البلاد على مدى ثلاثة عقود لمن هو قادر على إنقاذها من الغرق ويتنفسون من أوكسيجين فائض القوة التي يستخدمونها وقودا لاستمرار تمترسهم على كراسي السلطة؟