كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
عندما يدفع بالرجل الأكاديمي والأستاذ الجامعي حسان دياب إلى سدة الرئاسة الثالثة في وقت تعصف بالبلاد أزمات مصيرية فائقة الدقة وحراك شعبي غير مسبوق، وانقسام سياسي حاد، واهتزاز مالي مصيري فإن الرجل حتماً غير محسود بوقوع القرعة عليه. فأقل ما يُقال فيه إنه يعاند القدر، وهو غير آت من بيت أو حزب سياسيين ولم ينل حتى الآن بركات مرجعيته الدينية مضافاً إليها عدد أصوات بالكاد تجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من النواب السنة، حتى كاد الشك جائزًا بميثاقية التكليف الذي يأتي بصاحبه إلى موقع كان يشغله سعد رفيق الحريري لسنوات طويلة، فوارث الحريرية لن تكون طريقه من حرير.
ربما كانت ضربة معلم أن تسمي قوى “الثامن من اذار” شخصية سنية من بيروت وأستاذ في الجامعة الأميركية، ليس لديه طموح سياسي، وتكليفه على رأس حكومة إنتقالية لا يشكل عقبة أمام الحريري ومن شأنه أن يخرج البلد من عنق الزجاجة الذي تختنق فيه. المؤكد أن “حزب الله” وحلفاءه لن يتعاطوا مع الحكومة على أنها حكومة مواجهة ولا حكومة من لون واحد ولا هي حكومة أغلبية بل هي حكومة حلّ للخروج من الأزمة عل وعسى أن تنجح في ما تصبو إليه.
تجربة غير مسبوقة في لبنان أن يكلف رئيس حكومة أكاديمي. ترأس صائب سلام حكومة شباب من التكنوقراط والسياسيين، وجاء سليم الحص من عالم المال ليترأس حكومته الأولى في فترة الياس سركيس.
هي تجربة جديدة، لذا يجب من وجهة نظر البعض أن ننتظر ونستمع إلى استشارات الرئيس المكلف وتوجهاته. خصوصاً ان تكليف دياب يأتي في ظروف لم يواجهها أي رئيس حكومة سابق وحتى في أولى حكومات ما بعد الطائف.
الرئيس المكلف امام امتحان صعب، فهل هو مقبل على الحكومة بتحدٍّ أم لمجرد أن يدخل اسمه في نادي رؤساء الحكومات؟ وهل سيكرر تجربة أمين الحافظ مجدداً الذي كلف ولم يستطع تشكيل حكومة؟ علماً أنّ الظروف أيضاً مختلفة حيث أن ظروف البلاد لا تحتمل اليوم ما كان ممكناً أن تحمله حينذاك.
ومن يصدق أن أزمة استمرت ما يزيد على الشهرين، انتهت في بضع ساعات وبلا معارضة من الحريري. الأهم من تكليف دياب من وجهة نظر “الثامن من آذار” هو قطع الحريري الطريق على نواف سلام ضمن تغطية ضمنية لتكليف دياب. وقد يعني تكليف سلام بالنسبة إلى الحريري عدم المس به أميركياً، بينما يمكنه بسهولة الإطمئنان إلى دياب على رأس حكومة إنتقالية، بحسب اعتقاد 8 آذار.
المتفق عليه أن تسهّل القوى السياسية مهمة الرئيس المكلف أملاً في الخروج من الأزمة بدليل ما أعلنه “التيار الوطني الحر” بعدم التمثل في الحكومة العتيدة بوجوه سياسية، وسيحذو حذوه كل من “حزب الله” و”حركة امل” و”المردة” وكل القوى التي قد يكون لها تمثيل في الحكومة، ويبدو “حزب الله” حازماً في عدم تمثله في أسماء من الصف الاول، بالموازاة ينوي بري سحب الأسماء الاستفزازية.
حسب المعلومات الأولية، فإن الحكومة ستكون مطابقة في إطارها العريض للصيغة التي سبق وتم الإتفاق عليها بالتفاوض مع الحريري يوم تم ترشيح سمير الخطيب، ما يعني حكومة من 24 أو 18 وزيراً، بينهم 6 وزراء من السياسيين “لايت” والباقي تكنوقراط وحراك.
يبقى السؤال اللغز كيف تم الاتفاق على اسم حسان دياب في الساعات الأولى من يوم أمس؟ نقلاً عن مصادر مواكبة لمفاوضات الساعات الأخيرة أن الحريري شعر أن الازمة طوّقته من كل النواحي، نصحوه بتحسين علاقته مع “القوات”، والا التفاهم مع رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل. اتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على ان يجمعه بباسيل بعد عودة الأخير من السفر مباشرة. وزنها الحريري مع نفسه ومن حوله: لقاء باسيل مجدداً سيحشره شعبياً، والبيانات التي صدرت بخصوص إرجاء الإستشارات وما تلاها غلب على لهجتها التحدي.
اتخذ قراره وأبلغه إلى كل من بري والمعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل ورئيس الإشتراكي وليد جنبلاط وأصدر بيان الإعتذار. تواصل معه الخليل مقترحاً عليه جملة أسماء للإختيار في ما بينها. إعترض على الجميع، لكنه لم يعلق سلباً ولا إيجاباً على اسم حسان دياب بل اكتفى بالقول “مثلما تريدون”. ما فهمه “حزب الله” وأبلغه إلى حلفائه أنها موافقة ضمنية، وطالما أن الحريري لم يسمّ اسماً آخر فيعني أنه ليس مع دياب ولا ضده أيضاً. وما عبّر عنه للثنائي الشيعي ترجمه في الاستشارات النيابية.
زار دياب القصر الجمهوري وقام بمروحة اتصالات ليكون مرشحاً مقبولاً وهو قال منذ البداية إنه لن يقدم تشكيلة صدامية ولا من طرف واحد ولا سياسية، والواضح ان “الوطني الحر” يتجه لتسهيل مهمة الرئيس المكلف بدليل موقف رئيسه الرافض لتمثيل سياسي، لذا من المتوقع أن يكون تكليفه مقبولاً ولو اعترضته اشكالية التمثيل الماروني والسني والدرزي. لكن العبرة في مدى صمود الرئيس المكلف وعدم الضغط عليه من باب الميثاقية السنية.
تمثلت المفارقة في الاستشارات بتسمية كتلة “اللقاء الديمقراطي” للسفير نواف سلام، خطوة تبررها مصادر الاشتراكي بالقول: “لو صوّت الحريري لصالح دياب لكان اختلف موقف الاشتراكي. لكنه فضل عدم الظهور بموقع المتحدي للغالبية السنية في البلد والتي احجمت عن إعطاء رأيها”.
ارتأى “الإشتراكي” ان تسمية سلام ليست استفزازية لأي طرف وهو اتصل بالرئيس بري لإبلاغه بأن التسمية ليست موجهة ضد أي طرف وهي محاولة لتجنب تكرار تجربة نجيب ميقاتي.
لمس “الاشتراكي” وجود تململ من طرح اسم دياب ففضل عدم المغامرة واختلاق أزمة، لكن ضمناً لا قرار بعدم تسهيل مهمته الحكومية وهذا ما أكده رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب تيمور جنبلاط. لكن التسهيل لن يبلغ المشاركة في الحكومة: أولاً لأنه لم يسمّ دياب وثانياً انسجاماً مع موقفه بعدم المشاركة حتى ولو كان سمى الرئيس المكلف، ولكن هذا لا يعني “أننا لن نكون جزءاً من المشاورات وسنقدم وجهة نظرنا بشكل الحكومة ودورها والمطلوب منها ونبني على الشيء مقتضاه”.
لم يفهم “الاشتراكي” تسمية دياب على أنها حكومة مواجهة وهذا عامل مهم، ولا يربط موقفه بشخص الرئيس المكلف بل باعتبارين: قناعة حزبية بأن يعيد الحزب تموضعه السياسي على قاعدة أن يبقى بعيداً من التلوث السياسي، وعدم توقع الكثير من الايجابية والحلول للحكومة في المرحلة المقبلة.