كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
اعتذار الرئيس المستقيل سعد الحريري عن عدم القبول بتكليفه تأليف الحكومة الجديدة، كان ردا استباقيا على المحاصرة السياسية التي يتعرض لها من قبل فريق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحلفائه، على اعتبار أن الحريري استقال قبل نحو الشهرين من دون التنشسيق مهم. وكان الحريري يعلم أن د.حسان دياب ذهب الى القصر الجمهوري مرتين قبل تعميم اسمه على الإعلام كمرشح لترؤس الحكومة، وهو ما اعتبره الحريري بمنزلة الفخ الذي ينصب له بالخفاء. لكن الحريري حسب أوساط متابعة، أخطأ في طلب تأجيل الاستشارات في السابق، لأنه بذلك أعطى ورقة رابحة لأوساط القصر الجمهوري للرد على كل الاتهامات التي طالتهم، والتي اعتبرت أن تأجيل الاستشارات سابقة مخالفة للأعراف، والتفاوض على التأليف قبل التكليف خرق واضح لأحكام الدستور التي تعطي رئيس الحكومة حق التفاوض على تأليف الحكومة دون سواه، ومن ثم عرض نتائجها على رئيس الجمهورية.
من الواضح ان البيانات الجارحة وغير المسبوقة التي صدرت عن دوائر قصر بعبدا وعن التيار الوطني الحر ضد الرئيس الحريري تخفي احتقانا كبيرا يصل الى حد الانتقام. وكان على الحريري أن يتنبه لهذه الأجواء المعادية له قبل الإقدام على أي تنازلات جوهرية ستصيب مكانته في الصميم، ومن هذه التنازلات موضوع طلب تأجيل الاستشارات لمزيد من التشاور لمرتين متتاليتين على ما جاء في بيان التيار الوطني الحر.
ومن المؤكد أن الحريري طلب تأجيل الاستشارات الاثنين الماضي بدافع تلافي نتائجها التي كانت ستسميه للتكليف مجددا، ولكن برقم متواضع من المؤيدين. والأهم من كل ذلك، كان خوف الحريري من عدم وجود ميثاقية كاملة بين النواب المؤيدين، بعد أن أعلنت كتلة القوات اللبنانية أنها لن تسمي أحدا، وكان معروفا أن كتلة التيار الوطني الحر لن تسمي الحريري، مما ترك شكوكا واسعة عنده في أنه سيحاصر سياسيا وميثاقيا أثناء عملية تأليف الحكومة. والحريري بطلبه تأجيل الاستشارات قصد إعطاءه وقتا لمزيد من الاتصالات لتأمين ميثاقية كاملة للحكومة العتيدة.
لكن الحريري بطلبه التأجيل وقع في خطأ استراتيجي وفقا لرأي أوساط متابعة، لأنه أعطى مشروعية للتأخير الذي حصل في الدعوة للاستشارات بسبب التفاوض على التأليف قبل التكليف. وهو بذلك سمح لمنتقديه برد الصاع صاعين، وأعطاهم ورقة رابحة وصلت الى حد اتهامه بتجاوز الأعراف الدستورية، وبالتالي «لا يحق له اعطاء دروس في الدستور»، على ما جاء حرفيا في بيان رئاسة الجمهورية.
وترى الأوساط المتابعة ذاتها أنه كان أفضل للرئيس الحريري عدم طلب تأجيل الاستشارات والاعتذار عن عدم قبول التكليف فيما لو كانت نتيجة الاستشارات على غير ما يرغب من حيث عدد الأصوات، ومن حيث الميثاقية. وبالاعتذار يكون قد أعاد الكرة الى ملعب حليفه رئيس حزب القوات اللبنانية الذي رفض تسميته، ويكون ايضا قد رد سياسيا على الهجوم الذي يتعرض له من قبل فريق رئيس الجمهورية.
بين حكومة أكثرية، او حكومة تكنوقراط مقنعة، او مطعمة ببعض المستقلين او الذين يحملون طموحات انتقامية، تبقى المجموعات التي تتألف منها الثورة، على مطالبها الثابتة بإحداث تغيير واضح على كل صيغة النظام القائم، بما في ذلك تغيير شكل الحكومة برمتها وألا تكون تحت وصاية قوى السلطة. كما يبقى الوضع اللبناني برمته على حافة الهاوية وعلى وشك الانهيار.