قاسية كانت الضربة التي تلقاها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري من الحليف القواتي التاريخي. فقد اختارت معراب الركون إلى موقف مبدئي يستجيب لما عبرت عنه القاعدة الشعبية القواتية المشاركة في الثورة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين وجرفت معها الحسابات التقليدية، فكان أن أحجمت كتلة “الجمهورية القوية” عن تسمية الحريري كما أي شخصية سنية أخرى في الاستشارات النيابية الملزمة. موقف اعترف الحريري نفسه بأنه شكّل له مفاجأة، وسحب عنه غطاء مسيحيا اعتُبر “ميثاقيا”، يضاف إلى ذاك البرتقالي، الذي سحبه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه انتقال التيار الذي يعتبر نفسه رافعة الحكم إلى صفوف المعارضة، فقطع عليه طريق العودة إلى السراي.
قد يعتبر البعض أن في هذا الموقف القواتي، على أهميته في قلب الصورة الحكومية، انطلاق مرحلة من المواجهة المفتوحة على خط معراب – بيت الوسط، خصوصا أن العلاقات بين الطرفين لم تكن في أحسن أحوالها في الفترة الأخيرة.
لكن حسابات “القوات” لا تصب في هذه الخانة، على اعتبار أن المرحلة الراهنة وخطورتها تتجاوزان الحسابات السياسية التقليدية. وفي السياق، أوضحت أوساط القوات لـ”المركزية” أن “كان في إمكان الرئيس الحريري أن يكسب معركة التكليف بمن حضر من القوى المسيحية”، مشيرة إلى أن “القوات لم ترد أن ترى الحريري مكبلا بشروط ومدفوعا إلى تنازلات لا تصب إلا في مصلحة فريق 8 آذار في خلال مرحلة التأليف بعد التكليف، وهو ما دلت إليه تجارب حكومية سابقة”.
وفي مجال آخر، تشدد الأوساط على أن “قيادة الحزب لا يمكنها أن تتجاهل مطالب قاعدتها الشعبية الحاضرة بقوة في الشارع، والتي ترفض عودة الحريري إلى السراي انطلاقا من الشعار الشهير كلن يعني كلن”، مذكّرةً بأن “معراب كانت من أول المطالبين بتشكيل حكومة اختصاصيين، وهو ما عبّر عنه رئيس الحزب سمير جعجع في خلال الحوار الاقتصادي في بعبدا في 2 أيلول”.
انطلاقا من هذه الصورة، تسهب الأوساط القواتية في شرح الأسباب التي دفعت تكتل الجمهورية القوية إلى عدم مد الحريري بجرعة دعم، “علما بأن الأهم يكمن في أنها لم تعمد إلى استبدال الحريري بأي شخص آخر، بمن فيهم السفير نواف سلام، الذي كان تيار المستقبل أول من طرح اسمه في سوق المرشحين للتكليف”. ولا تفوت الأوساط رد الكرة إلى “الملعب السني” تحديدا، مذكّرةً بأن “تيار المستقبل نفسه لم يسمّ سلام، شأنه في ذلك شأن غالبية النواب السنة. وتاليا، فإن القوات لا تستطيع أن تقفز بعيدا فوق الخيارات السنية وتذهب إلى حد تسمية شخصية، علما أن لو أعطى المستقبل أصواته لسلام لأقدمنا على الأمر نفسه”.
غير أن أوساط معراب تشدد على أن الحلف التاريخي الذي يربط التيار الأزرق بالقوات لا يمكن أن يسقط عند “مطبات” سياسية، “لأنه من المسلمات التي نلتقي عليها منذ العام 2005 تحت سقف الخط السيادي”. إلا أن الكلام الاستراتيجي لا يمنع القوات من الاعتراف بأن “العلاقة مع المستقبل ليست على ما يرام، وتحتاج إلى إعادة قراءة متأنية. ذلك أن أحدا لا يمكنه طي صفحة السنوات الثلاث الماضية، حيث كانت أولوية الحريري صون العلاقة مع رئيس التيار الوطني الحر على حساب القوات وملاحظاتها ومطالبها، بدليل أن لو وضع الحريري ملاحظات القوات على موازنة 2019 موضع التنفيذ لما وصلت الأمور بالبلاد إلى اندلاع ثورة 17 تشرين التي دفعته إلى الاستقالة، ودفعتنا نحن أيضا إلى الخروج من الحكومة استجابة لمطالب الثوار”.
أما عن المرحلة المقبلة، فإن القوات لا تخفي خشيتها من مرحلة التأليف بعد التكليف، “ذلك أن الكباش كان ولا يزال حول شكل الفريق الوزاري العتيد. ففي مقابل المطالبين بتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، هناك من لا يزال يعزف على وتر على حكومة من اختصاصيين يدعمهم الأفرقاء السياسيون”.
وتختم الأوستاط مشددة على أن إذا “كان احجام القوات والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب قد سمح، في نظر البعض، لحزب الله بفرض مرشحه وشروطه على المسار الحكومي، فإننا لسنا اليوم أمام عودة إلى مواجهة بين معسكري 8 و14 آذار، بل بين 8 آذار وثوار 17 تشرين، الذين لا يجوز القفز فوقهم”.