Site icon IMLebanon

هيلا هو هيلا هو بدنا دولار يا حلو!

كتبت نوال نصر في “الاخبار”:

أن يعيش المرء في عنق الزجاجة ويظلّ يحاول ويحاول لهو أسلوب من التحدي المجبول بالأمل، لكن أن يُحشر في “كعب” الزجاجة ويُقفل عليه بإحكامٍ ويُترك ليلفظَ آخر رمقات الحياة لهو القتل غير الرحيم! والسؤال، هل هناك لزوم لرفاهية ما في الزمن الأسود الصعب؟ وماذا عن دفع أجور العمال الأجانب في لبنان؟ نطردهم؟ نأكل حقوقهم وفق قاعدة “عليّ وعلى الجميع”، أم نحاول ونحن نلفظ الأشياء والأنفاس أن نظلّ نضحك محاولين إخفاء كل السواد بابتسامة؟

آخر نظرات “إيزو” وهي تغيب عن الوعي كانت في اتجاه خادمتها الأثيوبية “كوكو”! ماتت إيزو وبكت كوكو كثيراً على “ماما إيزو” التي خدمتها بالقلب قبل الدولار. والله شفق على الإثنتين، غادرت إيزو الدنيا قبل أن يسود السواد وغادرت كوكو لبنان قبل أن تُصبحَ الليرة اللبنانية في خبر كان ويُصبح الدولار فعلاً لا قولاً “عملة نادرة”.

الخادمات الأجنبيات وعلى عكسِ كلّ ما يُشاع لسنَ “رفاهية”، أقله الى خمسين في المئة من اللبنانيين، فالعجزة بحاجة إليهن والنساء اللواتي يعملنَ من الفجر الى النجر بحاجة إليهنّ. وهؤلاء يسألن منذ شهرين: في دولار؟ هؤلاء مثلنا، يخشينَ أن يستيقظنَ ذات يوم ولا يجدنَ في جيوب أصحاب البيوت التي يعملن فيها سوى العملة اللبنانية! فماذا يفعلنَ بها؟ الأثيوبية “ماتو” تكاد لا تغفو هذه الأيام خوفاً من أن تأتي هذه اللحظة. رفيقتها “سيتا”، التي سبقتها الى لبنان بثلاثة أشهر، قررت أن تغادر لبنان لأن مخدومتها أخبرتها أن لا “مصاري” حتى إشعار آخر: “مدام ما بدا تعطيني مصاري بدا تعطيني لبناني”. وعبثا نحاول إقناعها أن اللبناني “مصاري” أيضاً. نحن نكاد ننسى فكيف تقتنع هي.

العمال الأجانب يفهمون في السياسة اللبنانية، على عكس ما يظنّ الكثيرون. ومحيي الدين عبد المنّان (من بنغلادش) لم يعد يشعر بالأمان في لبنان. هو خائفٌ، بعد ستة أعوام، على الدولار. مثله مثلنا. نراه ينظر الى الدولار كعاشق ينظر في عيني حبيبته. فما حاله؟ يجيب: “أفكر أن أغادر. أحبّ لبنان لكني لم أعد احتمل. الغلاء هلكني”.

بنى محيي الدين صداقات وطيدة مع لبنانيين والبارحة التقى مع سبعين من مواطنيه البنغلادشيين ليبحثوا “القرار الأجدى” في ظلّ الظروف اللبنانية الراهنة، واتفقوا أن يراجعوا سفارة بنغلادش في لبنان “والسفير بيقرّر”. هؤلاء يخشون أن يبقى الدولار الى تصاعد وهم باتوا يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية. وكانت المئة دولار تعادل 50 تاكا أما اليوم فباتت أقل بكثير “وما بقا بيحرز الشغل”. وماذا سيفعل محيي الدين؟ “بدي روح ع دبي”! يبدو أن شباب بنغلادش في لبنان باتوا يحلمون، كما كثير من الشباب اللبناني، أيضا في دبي.

نعود الى “تينا” فنراها تهمس وزميلاتها باسمٍ نعرفه جيداً: جبران… جبران… وسرعان ما نكتشف أنهن يتحدثن عن قرار صدر في لبنان لإبعادهنّ. نسأل. نراجع. فنكتشف أنهن يتناقلن دعوة جبران باسيل الى زيادة التعرفة على العاملات الأجنبيات في المنازل، بهدف تخفيف العدد لأن نحو ثلاثة مليارات دولار ترحّل خارج البلاد. هذا الكلام صدر عن وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة في السابع عشر من أيلول العام 2019. هذا الكلام صدر قبل شهر بالتمام والكمال من بدء الثورة في لبنان.

في 27 تشرين الثاني العام 2019 قرر وزير العمل في الحكومة المستقيلة كميل أبو سليمان أن “يشدّ” النفقات، فأعلن عدم موافقة الوزارة على طلبات إستقدام عمال أجانب إلا في الحالات الملحة. والسبب؟ الحدّ من حجم تحويل العملات الأجنبية الى الخارج!

أصبحنا في علبة. والعلبة أقفلت. وهناك من يحاول إحكام القفل بعد وبعد. أموال اللبنانيين في المصارف والدولة تحار كيف تقلل إنفاق الناس، من جيوبهم، بدل أن تُفكر بأيّ حالٍ أوصلت إليه الناس.

عدد إجازات العمل في العام 2018 للعاملات الأجنبيات يبلغ 189 ألفاً و464 بينها 137 ألفاً و318 إجازة لعاملات من أثيوبيا و5980 إجازة لعاملات من سريلانكا و19 ألفاً و559 إجازة لعاملات من الفيليبين والبقية من جنسيات أخرى مختلفة. هذه الأرقام يعطيها رئيس نقابة أصحاب مكاتب إستخدام العاملات في الخدمة المنزلية في لبنان علي الأمين، ويقول: ليست المشكلة غالباً في العاملات اللواتي يخضعن الى القوانين في لبنان بل باللواتي يعملن في شكل غير شرعي، بسبب هروبهن ولا نملك معلومات “داتا” عنهن. هؤلاء هنّ أكثر من يعانين اليوم من اختفاء الدولار في لبنان.

النيبالية “ماتو” تعمل لحسابِها الخاص منذ أكثر من عشرة أعوام والبارحة، سألت وهي تخرج من بيت تعمل فيه، منذ أربعة أعوام، “يوم إي يوم لأ” مدة ساعتين: بتقبضي مدام لبناني أو دولار. أرادت “ماتو” أن تطمئن الى مستقبلها. وهي تُكثر اليوم من تسقّط أخبار بنات بلدها اللواتي اتهمن بأنهن قاتلات أو “بلا عقل”. وتقول: عانينا في لبنان في “العزّ” ونعاني في “الفقر”. فماذا لديها لتُخبرنا إياه عن رفيقاتها؟ تقلب بين صفحاتٍ باتت صفراء لمرور الوقت وتتركنا نقرأ: تبلغت الخادمة السريلانكية “شنديما”،العاملة في جنوب لبنان، رسالة مضمونها أن خطيبها تزوج فشنقت نفسها. إنتحرت الخادمة الأثيوبية “ديتشاسا” في بيروت. طعنت خادمة أثيوبية مخدومتها الحامل بالسكين في بلدة برجا. قتلت الخادمة الفيليبينية جيرالدين مخدومتها اللبنانية نتالي بقطعة حديدية واتصلت بزوج الضحية وأخبرته. هذا غيض من فيض حوادث هزّ صداها لبنان ومن فيه.

العاملات الأجنبيات سيفقدن عقولهنّ إن لم ينلن ما لهنّ من أجور بالدولار. هنّ يقسمن بهذا. ورئيس الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله يقسم بدورِهِ أن لا الإتحاد ولا العاملات سيقبلون أن تؤكل حقوقهنّ وتهضم ويقول: توقعوا تظاهرة العاملات الأجنبيات قريباً.

نقلب في أرقام العملات. هو التاسع عشر من كانون الأول. هو البارحة. والخبر: الدولار الأميركي يعادل 0,00066 ألف ليرة لبنانية. يعني سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية هو 1514 ليرة. وإذا أردتم الرقم بالأحرف الأبجدية هو: ألف وخمسمئة وأربع عشرة ليرة لبنانية. وشتان ما بين الكلام والوقائع. العاملات الأجانب في لبنان ما عدن يثقن بالكلام بعدما اختبرن الكثير من الأفعال، وهنّ لا يردن اليوم سوى أموالهن وبالدولار الأميركي. هنّ مثلنا يردن جنى العمر.

أجور اللبنانيين فقدت ثلاثين في المئة (حتى اليوم) من قيمتها. فهل يظن اللبنانيون أن العمال والعاملات الأجانب سيقبلون أن يخسروا هم أيضاً من قيمة أجورهم المتواضعة؟ نحن، الشعب اللبناني، “تمسحنا” أما العمال الأجانب فلا. لا تصدقوا؟ إنتظروا ريثما ترونهم يصرخون في الشوارع: هيلا هو هيلا هو بدنا مصرياتنا بالدولار يا حلو!