كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”:
للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية، زرع طبيب لبناني دعامة في الشريان السباتي من خلال المعصم لا الفخذ، وبمساعدة الرجل الآلي. واعتُبِرَت هذه الجراحة إنجازاً طبياًَ في مجال جراحة الأوعية الدموية. ولكن ما أهمية هذا الإجراء الطبي – التكنولوجي للمريض ولطاقم العمل الطبي؟ وهل يستفيد لبنان قريباً من منافعها؟
السكتة الدماغية (أو: الجلطة الدماغية – STROKE) تحدث عندما يتوقف، أو يتعرقل بشدّة تدفّق الدم إلى أحد أجزاء الدماغ، مما يحرم أنسجة المخّ من الأوكسيجين الضروري جدّاً ومواد التغذية الحيوية الأخرى. وجراء ذلك، تتعرّض خلايا المخ للموت خلال دقائق قليلة. والسكتة الدماغية هي حالة طوارئ طبية، والعلاج الفوري لها أمر بالغ الحيوّية والأهمية، إذ يمكن من خلاله تقليل الأضرار للدماغ ومنع المضاعفات المحتملة ما بعد السكتة.
باسكال جبور
في حديث لـ«الجمهورية»، قال الدكتور باسكال جبور، بروفسور في جراحة الاعصاب ورئيس قسم جراحة الأوعية الدموية العصبية والأوعية الدموية في مستشفى جامعة «توماس جفرسون» في فيلادلفيا، واستاذ محاضر في كلية الطب لمستشفى جامعة توماس جفرسون، ورئيس الجمعية العالمية لجرّاحي الدماغ اللبنانيين السابق، عن الجلطة: «عندما يُصاب المريض بجلطة، يعمد الطبيب إلى كشف سبب الجلطة. ومن أسبابها انسداد شريان يصل بين القلب والدماغ. وأحد الشريانين الأهم بين القلب والدماغ هو الـ«carotid».
عوامل خطر الجلطة
عدَّدَ د. جبور أهم عوامل الخطر للإصابة بجلطة كالتالي:
– العامل الوراثي
– العوامل البيئية: التدخين، السكري، ارتفاع الكوليستيرول
– مشكلة في كهرباء القلب
– مشاكل وراثية في سيلان الدم
– الإصابة بالسرطان
– إصابة وعاء الـ«carotid»
الوقاية من الجلطة
تتطلّب الوقاية من الجلطة بحسب جبور «الابتعاد عن عوامل الخطر التي يمكننا التحكّم بها، أي التخلّص من الوزن الزائد في حال وجوده، والتوقف عن التدخين، والسيطرة على مستويات السكري والكوليسترول…».
علاج الجلطة
بحسب د. جبور: «هناك طريقتان لإجراء الجراحة لعلاج الجلطة. الاولى هي جراحة مفتوحة open surgery، حيث يُجري الجرّاح شقّاً في الرقبة، ويفتح الشريان وينظّفه. أما الطريقة الثانية، فهي أقل غزوية (less invasive): يتدخل الطبيب من داخل الشريان، ويقوم بقسترته، ثم يضع الدعامة. عادةً، تجرى هذه العملية من خلال شريان الفخذ. لكن اجرينا منذ فترة وجيزة عملية تُعتبر انجازاً في هذا المجال الطبي، إذ دخلنا من شريان المعصم، واستخدمنا الروبوت في العملية».
ما منافع الدخول من المعصم؟
وفقاً لجبور: «تشمل منافع الدخول من المعصم التالي: يتحمّل المريض هذه الطريقة اكثر بكثير، وهي تشمل مخاطر أقل، فالمضاعفات عند الدخول من الفخذ اكبر بكثير. فضلاً عن ذلك، عند الدخول من الفخذ، على المريض الاستلقاء لاربع ساعات بعد العملية. اما عند اجراء العملية من المعصم، فيمكن للمريض ان ينهض ويمشي فوراً بعد انتهاء العملية. كما تشمل العملية من الفخذ خطر حصول نزيف داخلي في منطقة البطن، وهو امر خطر جداً. وهذا خطر غير وارد عند الدخول من المعصم. كما ثمة خطر تشكل تكتلات في الساق عند الدخول من الفخذ، وقد يصل الامر الى ضرورة قطع الساق».
ملاحظة: 5 % فقط من هذه الجراحات في الولايات المتحدة تُجرى من خلال المعصم رغم الجهود، وذلك لاسباب عدة، منها حاجة الجراح لتعلّم اجراء الجراحة من المعصم، فالدخول من الفخذ اسهل على الجراح، ولكن اصعب على المريض.
ما منافع مساعدة الروبوت؟
لفت د. جبور إلى أنّه «عادةً في الجراحة العامة وجراحة الاعصاب، اصبح الروبوت المساعِد خلال العملية معروفة وباسم Da Vincy robot، ونحن نستعمله منذ فترة طويلة. ولكن لم نكن نستعمله لعمليات داخل الوعاء. أما الآن، فأصبح لدينا روبوت لجراحة الاعصاب. هذا الروبوت لم يأخذ بعد موافقة الـFDA لاجراء عمليات داخل الدماغ، ولكنه نال الموافقة لاجراء الجراحة التي نتكلم عنها، وعملية «الميل» للدماغ».
وتابع: «تشمل منافع مساعدة الروبوت خلال الجراحة دقة أكبر، وتحكّم أفضل بأدوات الجراحة مقارنة بالتحكّم اليدوي. أحياناً، تكون شرايين المريض (ولا سيما المتقدّمين في السن) «متعرجة» ما يجعل الجراحة أصعب والدقة ضرورة أكبر، وهنا يسهّل الروبوت العملية». وذكر منفعة أخرى للجراح والطاقم الطبي، وهي أنّ «استعمال الروبوت يحمينا من الإشعاع خلال العملية لأننا نجلس في غرفة أخرى بعيداً من الأشعة». ولفت إلى أنّ «الأشعة لا تؤثّر سلباً على المريض لأنّه يتعرّض لها مرة واحدة خلال العملية، بينما الطاقم الطبي يتعرّض لها يومياً. فضلاً عن ذلك، من دون الروبوت يضطر الطاقم الطبي إلى ارتداء ملابس واقية ثقيلة قد تسبّب أمراضاً في الظهر والعمود الفقري مع السنوات».
ماذا عن المستقبل؟
شدّد د. جبور على أنّ أهم ما في الاستعانة بالروبوت أثناء الجراحة هو «الاحتمالات المستقبلية لاستعمال الروبوت. فنتوقع استعمال هذا التقدّم التكنولوجي في الطب لإجراء جراحات بعد سنوات. وهذا مفيد للمرضى الذين يسكنون في مناطق لا تتوفّر فيها التقنية المتقدّمة لهذه العملية. ففي بعض الأحيان، يكون الوقت عاملاً فائق الأهمية للمريض. فعند إجراء العملية سريعاً بعد الإصابة بجلطة، تكون الخلية الدماغية التي لا يصل إليها الدم لم تمت بعد، لذا يمكن عكس أثر الجلطة. بينما إذا تأخّر إجراء العملية، لا يمكن عكس مضاعفات الجلطة، ما يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف مثل الحركة في طرف ما، أو الكلام، أو غيرها. وهذا ما يثير الحماس في هذه التكنولوجيا: التطبيقات المحتملة المستقبلية لها».
وختم د. جبور قائلاً: «للأطباء اللبنانيين في الغربة دور في الحفاظ على التواصل العلمي مع لبنان. وفي الحقيقة، التقدّم الطبي في لبنان من الأفضل في العالم، ولكن لا تكمن المشكلة في عدم توفر التكنولوجيا، بل في عدم قدرة المرضى على الحصول على هذه التكنولوجيا بسبب العامل الاقتصادي».