رفعت الولايات المتحدة من سقف شروطها لدعم الحكومة اللبنانية القادمة، ووضعت على رأس تلك الشروط رفع يد الأحزاب عن تلك الحكومة في رسالة واضحة أن واشنطن لا يمكن أن تقدم دعما لحكومة تسيطر عليها الأحزاب وعلى رأسها حزب الله، ولا تقدر على القيام بالإصلاحات الضرورية.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون “لقد حان الوقت لترك المصالح الحزبية جانباً والعمل من أجل المصلحة الوطنية ودفع عجلة الإصلاحات وتشكيل حكومة تلتزم بإجراء تلك الإصلاحات وتستطيع القيام بها”.
واعتبر المراقبون أن تصريح هيل يخرج عن الأعراف الدبلوماسية ويذهب إلى درجة فرض إملاءات ترتبط بضرورة “ترك المصالح الحزبية” والعمل من أجل مصلحة البلد، مشترطاً أن تكون أيّ حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي.
ولفت إلى أن “الولايات المتحدة تدعو القوى الأمنية إلى مواصلة ضمان سلامة المتظاهرين أثناء مشاركتهم في التظاهرات السلمية، وإلى ضبط النفس من قبل الجميع، فلا مكان للعنف في الخطاب المدني”، بما يوحي أن واشنطن ستعارض أيّ محاولة تقوم بها المنظومة السياسية لقمع الحراك الشعبي ومواجهته بالقوة.
وكان رئيس الحكومة المكلف حسان دياب، قد أشار الجمعة إلى أنّ “الجميع راغب بحكومة مميزة لا تشبه سابقاتها من أصحاب الاختصاص ونسبة السيدات وأتوقع الدعم الكامل من الأوروبيين والأميركيين”.
وأضاف “هدفي تأليف الحكومة خلال شهر أو 6 أسابيع وستكون وجه لبنان، ووصفها بأنّها حكومة حزب الله أمر سخيف”.
وعبر عن تفهمه لمطالب المتظاهرين طالبا أن يمهلوه فرصة للتمكن من تأليف حكومة استثنائية لمعالجة المواضيع الشائكة وقال “سنكون فريق عمل واحد بغض النظر عن توجهاتنا”.
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن معطيات طارئة دفعت رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري إلى الاعتذار مساء الأربعاء عن عدم تأليف الحكومة المقبلة.
وأوضحت المصادر أن قرار حزب القوات اللبنانية عدم تسمية أحد، وبالتالي عدم تسمية الحريري، عزز لدى الحريري معطيات سابقة عن عدم وجود دعم خارجي عربي ودولي لعودة الحريري إلى منصبه في هذه المرحلة، وأن هذا الغطاء قد يعود بقوة في مرحلة لاحقة.
ودعت هذه المصادر إلى تأمل موقف الحريري وموقف كتلة المستقبل لفهم الدينامية التي تسير وفقها الأمور. فالقرار الذي أبلغته كتلة المستقبل لرئيس الجمهورية ميشال عون الخميس من ضمن الاستشارات النيابية الملزمة يتمحور حول نقطتين.
الأولى عدم تسمية أحد لتأليف الحكومة بما فهم أنه قرار سياسي بعدم مواجهة خيار تحالف حزب الله – عون بتسمية حسان دياب.
والثانية بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة بما فهم أنه قرار يراد منه الدفع باتجاه حكومة اللون السياسي الواحد التي يريدها رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي.
ورأت أن لهجة الحريري في التصريحات التي أدلى بها في برنامج تلفزيوني ليل الجمعة بدت مرتاحة وغير متشنجة. كما أن إعلانه عن استعداده لاستقبال الرئيس المكلف الجديد وتمني التوفيق له بدا ودودا على عكس موقفه حين استقبل عام 2011 الرئيس المكلف حينها نجيب ميقاتي إثر انقلاب تحالف حزب الله على حكومته آنذاك.
وعلى الرغم من ضبابية الموقف السياسي الطارئ منذ تكليف دياب بتشكيل الحكومة إثر إخراج اسمه على عجل قبل ساعات من موعد الاستشارات النيابية الخميس، فإن المعلومات تتحدث عن ورطة حقيقية انحشر فيها حزب الله من خلال الدفع بدياب الذي رشحه قصر بعبدا.
وذكرت مصادر لبنانية أن المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل زار الحريري بعد بيان اعتذاره ليل الخميس عارضاً عليه عدة أسماء بديلة، إلا أن الحريري رفضها جميعا، في حين أنه لم يعارض اسم حسان دياب مع تأكيده أن كتلته لن تسميه.
ويرى محللون أن الحريري يعتقد أن دياب يمثل مرحلة مؤقتة لا تستدعي فتح معركة كبرى، أو أن تكليف دياب بتشكيل الحكومة يمثل تحدياً لكافة التيارات السياسية المناوئة لحزب الله، وتحديا للحراك الشعبي المندلع منذ شهرين. كما أنه يمثل تحديا للمجتمع الدولي الذي وصفته وسائل إعلام غربية، لا سيما في باريس ولندن وواشنطن، بأنه مرشح حزب الله، وبالتالي فلن يخوض الحريري المعركة وحده.
ولا يمثل لجوء حزب الله إلى الدفع بدياب بديلا عن الحريري انتصارا للحزب بل يكشف عن حالة انهيار في قدرته على ملاعبة المنظومة السياسية الكاملة في لبنان، وأن انتهاءه إلى الخروج بشخص لا يحظى بأيّ حيثية سياسية تبرر وجوده على رأس أعلى موقع سني في البلد، إضافة إلى أن فقدانه لأيّ تغطية دينية واجتماعية وسياسية داخل الطائفة السنية، يكشف عن إفلاس سياسي لم يعهده الحزب قبل ذلك.
وقالت بعض المعلومات إنه بغض النظر عن حسابات الحريري التي تبرر اعتذاره وتفسر موقفه غير العدائي من دياب، فإن تحركاً داخل الطائفة السنية يجري وقد يظهر تحت رعاية دار الفتوى للاعتراض على حالة التطاول على حقوق الطائفة التي يؤمّنها الدستور في لبنان، كما حالة الاستهتار بدور السنة التاريخي في البلد، وكذلك حالة الإرهاب التي يمارسها حزب الله بأدوات مذهبية داخل الشوارع.
وسعى الحريري إلى سحب مناصريه من الشارع ووقف مظاهر الاعتراض في بيروت والشمال والبقاع وقطع الطرقات في الناعمة ومناطق لبنانية أخرى احتجاجا على تكليف دياب.
إلا أن مراقبين لاحظوا أن حركة الشارع لم تكن دفاعاً عن الحريري بقدر ما كانت دفاعاً عن حقوق السنّة واستنكارا لما ارتكب من تجاوز لما تسرّب سابقا عن دار الفتوى، على لسان المرشح السابق لمنصب رئاسة الحكومة، سمير الخطيب، من إجماع الطائفة السنيّة على تسمية الحريري دون غيره.
وأخذت بعض المنابر السنيّة على حزب القوات اللبنانية موقفه الذي أبعد الحريري عن موقعه. ورأت أن الحريري انسحب بسبب افتقاده إلى الميثاقية المسيحية بعد قرار “القوات” الذي أضيف على قرار التيار الوطني الحر عدم تسمية الحريري، وأن موقف القوات أدى إلى تمرير تكليف دياب الذي لا يحظى بميثاقية سنية (6 نواب سنة موالون لحزب الله صوتوا له فقط).
ورأت هذه المنابر أن موقف القوات لم يحترم خيار دار الفتوى علما أنه تم احترام خيار البطريركية في بكركي حين باركت الأقطاب الأربعة عون وجعجع وأمين الجميل وسليمان فرنجية، كمرشحين وحيدين لرئاسة الجمهورية.