كان من أهم أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية القائمة في لبنان منذ 17 أكتوبر الماضي تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للبنانيين، وانحدار المستوى الخدماتي والاجتماعي لهم، ولاسيما في السنوات الأخيرة والتي ألقت بظلالها على الفئات الشعبية وأصحاب الدخل المحدود، وأمام هذا الواقع خرج اللبنانيون الى الشارع رافعين الصوت في وجه الطبقة السياسية التي وصفت بالفاسدة جراء سياساتها الفاشلة من انتشال لبنان من أزمته المالية والاقتصادية بسبب سوء الإدارة وتفشي الفساد في مختلف القطاعات وهدر المال العام، ورفعوا الصوت مطالبين بتأمين الحد الأدنى من مقومات العيش اللائق والمتمثلة في الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وطبابة وتعليم وبيئة نظيفة.
وساهمت ساحات الاحتجاج في الحراك الشعبي في التعبير عن واقع الحال لشريحة واسعة من اللبنانيين الذين شاركوا في التظاهرات التي عمت مختلف المناطق، وأصبحت تلك الساحات ملاذا تروي حكايات القهر للفئات المحتاجة، الذين تحدثوا عبر شاشات التلفزة عن الظروف الحياتية التي يرزحون تحت وطأتها، وشكوا سوء أحوالهم المعيشية التي تنقلت بين فقدانهم للغذاء، والدواء، وارتفاع الفاتورة الاستشفائية، والأقساط المدرسية، وغلاء الأسعار، وغياب التغطية الصحية الشاملة وضمان الشيخوخة، الى جانب البطالة الواسعة عند فئة الشباب التي تدفع بالبعض منهم الى الهجرة.
ورفع المحتجون في الشوارع والساحات اللافتات المطالبة بإسقاط الطبقة السياسية الهادمة للاقتصاد الوطني والتي أوصلت البلاد بفعل المحاصصات الطائفية والفساد الى حافة الانهيار، وشكل الإعلام ولاسيما المرئي منه الوسيلة التي عبر من خلالها العديد من اللبنانيين على اختلافهم عن معاناتهم وضيق أحوالهم المعيشية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تصيب لبنان، وأفردت الشاشات مساحة واسعه لهؤلاء لشرح ما يعتريهم من تردي لأحوالهم المعيشية، وجالت الكاميرات في المناطق والأحياء الأكثر بؤسا والتي تتركز في معظمها على أطراف مدينة بيروت ومدينة طرابلس، ولاسيما ما يعرف بحي التنك في هذه المدينة التي وصفت «بعروس الثورة» التي تسكنه عائلات في ظروف تفتقد لأبسط مقومات الحياة.
وفي ظل ما نقلته وسائل الإعلام من مشاهدات عن لبنانيين يعانون ضيق الحال نتيجة سوء أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، سرعان ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مبادرات تكافلية فردية وجماعية تجاه العائلات المستورة، تدعو الى المساهمة بما ملكت الأيدي من مساعدات مالية وعينية، وتفاعل رواد هذه المواقع مع هذه المبادرات وشكلوا فرقا تعمل على الأرض تجاه العائلات المحتاجة، كما لجأت بعض المطاعم الى فتح أبوابها لأي أسرة تحت شعار «حتى ما يكون حدا جوعان»، وكذلك فعلت بعض الأفران التي طلبت بأن يأخذ كل محتاج حاجته من ربطات الخبز، كما أطلقت بعض الجمعيات والمؤسسات مساهمات في هذا الإطار تضامنا وتعاضدا مع الحالات الإنسانية من خلال توزيع الألبسة والأطعمة.
وفي ظل الواقع الاقتصادي المتردي، وقع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل مشروع قرار يرمي الى صرف مخصصات البرنامج الوطني الذي يستهدف الأسر الأكثر فقرا في لبنان عن ثمانية أشهر من العام الحالي.
ومع ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية فقد رفع أصحاب المؤسسات التجارية الصوت يشكون من الأوضاع الكارثية والجمود نتيجة نقص السيولة من العملة الأجنبية، وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وانعكاس ذلك على الموظفين الذين باتوا يتقاضون نصف رواتبهم، إضافة إلى ما يعانيه القطاع الصحي من نقص في الخدمات، وكذلك القطاع الفندقي الذي تراجعت حركته 80%، والقطاع الصناعي الذي لجأ بعضه الى صرف موظفيه، في وقت أعلنت فيه بعض محال الألبسة في الوسط التجاري عن حسومات تصل إلى 70% وغيرها من المحال وفي اكثر من منطقة.
وإزاء هذا الواقع المتردي على الصعد المالية والاقتصادية والاجتماعية، هل من بصيص أمل يفتح كوة في هذا الأفق المسدود، أم أن صرخات الناس في الحراك الشعبي طوال اكثر من ستين يوما سيبقى في واد والسلطة القائمة في واد وتصم آذانها متغاضية عن أوجاع اللبنانيين الذين فقدوا في الأساس الثقة بها؟