IMLebanon

“الغضبة السنية” تتمدّد رفْضاً لتكليف دياب

بعدما مرّ تكليف الوزير السابق حسان دياب تأليف الحكومة الجديدة على طريقة دخول «الجَمَل في ثقب إبرة» بفعل التعقيدات الكبيرة التي أوصلتْ إلى هذا الخيار غير المحسوب، انطلق عدّادُ الترقب الثقيل لما إذا كان لبنان القابع في «ممر الفيلة» الإقليمي والذي يُقاوِم جاذبية السقوط «القاتل» من أعلى الهاوية المالية – الاقتصادية التي انزلق إليها والذي بات تحت رقابة «ثورة 17 أكتوبر» سينجح في «النفاذ» بتشكيلةٍ وزارية تُحاكي «زنار» المخاطر الكبرى الذي يلفّ البلاد.
وفيما أقْلَعَ أمس قطارُ تأليف الحكومة مع الاستشاراتِ غير المُلْزِمة التي أجراها دياب مع الكتل البرلمانية و«أّخَذَ عِلماً» من خلالها بالمواصفات التي تريدها للحكومة الجديدة وشكلها، وذلك على وقع «هديرِ» الاعتراضات الكبرى في الشارع السني على تكليفه من الثنائي المسيحي – الشيعي (فريق رئيس الجمهورية ميشال عون و»حزب الله» وحركة «أمل» وحلفائهم) وبأصوات 6 نواب سنّة فقط، لم يكن ممكناً الجزم بما سترسو عليه التركيبة الوزارية وطبيعتها التي ستحدّدها اعتباراتٌ داخلية وأخرى تتصل بضرورات الالتفاف على أي تظهيرٍ نافِر لكونها بـ «إمرة حزب الله» قلْباً وقالباً.

وجاء توصيف فريق رئيس البرلمان نبيه بري لعملية التأليف بأنها «الجهاد الأكبر» (بعد الجهاد الأصغر الذي شكّله التكليف) الأكثر تعبيراً عما ينتظر هذا المسار المحكوم في جوانب منه بترسّباتِ مرحلة التكليف وأضرارها على العلاقة بين أطراف السلطة وفي جوانب أخرى بمراعاة مطالب الشارع المنتفض (مطلبه حكومة اختصاصيين مستقلين تمهّد لانتخابات نيابية مبكرة) وتوفير مقومات الوفاء بـ «دفتر الشروط» الإصلاحي الذي يضعه المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على إدارة انهياره.
وإذا كان العنوان العريض للتشكيلة الوزارية العتيدة، مهما شهدت مداً وجزراً، هو «حكومة الطوارئ الإنقاذية»، فإن استيلادها لن يكون بمعزل عن مسار التكليف وما رتّبه على مستوى «لعبة السلطة» وقواعدها التي تسير بالتوازي مع «لعبة الشارع» وانتفاضته.
وفي هذا الإطار، تتوقف أوساط واسعة الاطلاع عبر «الراي» عند النقاط الثمينة التي حَصَدها «حزب الله»، الذي وبعدما كان ثبّت كونه «الممرّ الإلزامي» إلى رئاسة الجمهورية ولو من باب التعطيل، أثْبت للمرة الأولى أنه المُقرِّر على مستوى الحكومة، ليس فقط في توازناتها (وفق ما كان تظهّر في الحكومة المستقيلة)، بل في إيصال رئيسها عبر الأكثرية التي يملكها في البرلمان وذلك من فوق التوازنات الطائفية، رغم تغليفه خروج الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة وتكليف شخصية بغطاء 6 نواب سنّة على أنه، إما جاء مراعاة لمقتضيات مواجهة محاولة أميركية لإيصال رئيس وزراء محسوب على واشنطن (نواف سلام)، وإما على أنه نتيجة خذلان الحليف المفترض للحريري (القوات اللبنانية) له في ربع الساعة الأخير.

وفي رأي هذه الأوساط أن «خيار دياب، الذي بدا وكأنه عملية (إنزال) خلف خطوط الترسيمات الطائفية وأحجامها، أتى لتوجيه رسالة إلى واشنطن عشية وصول الديبلوماسي الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت» بأن «التحكّم والسيطرة» في لبنان بيد الحزب عبر الأكثرية التي كان الجنرال في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أول مَن جاهر بأنها باتت لحزب الله وحلفائه».
وفي الإطار نفسه، تشي تشظيات تكليف دياب ضمن «لعبة السلطة» بمَخاطر كبيرة لجهة إيقاظ الاستقطاب الطائفي (مسيحي – سني) والمذهبي (سني – شيعي) على أنقاض سقوط التسوية التي حكمت الواقع السياسي منذ العام 2016 وقامت على الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا والحريري في السرايا، وهو ما تعبّر عنه الغضبة المستمرة لمناصري زعيم «المستقبل» والبيئة السنية في عدد كبير من المناطق.

وتعرب الأوساط الواسعة الاطلاع في هذه النقطة تحديداً عن الخشية من أن يؤدي ارتفاع منسوب الاعتراض الطائفيّ البُعد إلى خفوت صوت الانتفاضة العابرة للطوائف والاصطفافات الحزبية، وسط مؤشرات إلى أن الثورة اختارتْ التريث في الانقضاض الكبير على خيار دياب رغم أن الردّ الأولي كان رافضاً باعتبار أنه جزء من المنظومة السياسية (كوزير سابق في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي 2011)، وذلك في انتظار شكل الحكومة وإذا كانت ستقوم على منطق المحاصصة نفسه وتقاسُم «كعكة السلطة».
وإذ كانت التحريات على قدم وساق لسبْر أغوار ما يشبه «المهادَنة» الأميركية والفرنسية لمرحلة تكليف دياب من ضمن ما بدا أنه فترة سماح ريثما تتضح طبيعة الحكومة التي وضعت واشنطن وباريس لها مواصفات أن تراعي مطالب الشعب وتلتزم بالإصلاحات، تدافعتْ الأسئلة الكبيرة حول إذا كانت القوى السياسية ستنجح تحت وطأة ضغط الشارع والمراقبة الدولية في المواءمة بين الإصلاحات وبين مصالح هذه القوى التي ترتبط في بعض جوانبها باعتبارات إقليمية.

وترى الأوساط نفسها أن شكل الحكومة سيكون المؤشر الأبرز في هذا المعنى، فإذا كانت حكومة اختصاصيين مستقلين (وفق ما أعرب الرئيس المكلف عن رغبته) سيخفّف ذلك من حدة الدلالات ذات التداعيات الخارجية التي سيتركها تظهير التشكيلة الوزارية على أنها امتداد لـ «تكليف اللون الواحد» لدياب (بلا غطاء أي فريق من خارجها)، وهو ما سيجعلها «حكومة اللون الواحد».
وفي حين جاء القرار الحاسم من «المستقبل» و«القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي (قاطعت الاستشارات أمس) بعدم المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الحكومة ليجعل أي سير بتشكيلة تكنو – سياسية وإن بمعنى الاختصاصيين المعيّنين من أحزاب أو المطعّمة بوجوه سياسية ولو من خارج الصف الأول بمثابة حكومة «اللون الواحد»، كان لافتاً أن الحزب وبلسان رئيس كتلته محمد رعد أطلق إشارة حمّالة أوجه بكلامه بعد لقاء دياب وفي معرض حديثه عن «عناصر النجاح» في عمليّة التأليف عن أنّ «الحكومة بقدر ما تكون أوسع تمثيلًا، بقدر ما توفّر وقتاً وتساعد على الإنجاز»، مشدّداً على أنّ «لا أحد في ذهنه أن تكون حكومة مواجهة أو تحدّ أو لون واحد، بل يجب أن تستجيب لوجع اللبنانيين وتوفّر الأمن والاستقرار وأن تطرح المناهج الصحيحة لاستنهاض البلد وتحفظ ما أنجزه اللبنانيون من انتصارات في مواجهة العدو، وأن تضمّ ليس فقط أشخاصاً ذات اختصاصات علميّة ولكن أيضاً ذات حسّ وطني».

وفي حين لاقى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل هذا الغموض، معلناً أنّ دياب يقرر «كيف يحب أن ندعمه سواء بمشاركتنا المباشرة، أو غير المباشرة أو بعدم مشاركتنا في الحكومة ودعمها من الخارج»، مؤكداً «هذه ليست حكومة حزب الله، وهي ليست ضدّ أحد ونرفض إبعاد أحد عنها، ونحن مستعدّون لإعطاء الحراك جزءاً من حصّتنا أو كل حصّتنا»، بدا أن دينامية الغضبة السنية آخذة في التمدد، وهي استمرت أمس لليوم الثالث على التوالي على شكل قطْع للطرق في الشمال والبقاع ومداخل بيروت وصولاً إلى نقاط عدة في العاصمة أبرزها كورنيش المزرعة التي تحوّلت «ساحة حرب» وتشهد مواجهات بين المحتجين والجيش اللبناني الذي تعرّض مرات عدة للرشق بالحجارة و«القصف» بمفرقعات نارية ما أدى إلى إصابات في صفوفه، وسط خشية من أي انزلاقات في بقعة بالغة الحساسية وتُعتبر «خط تماس» مذهبياً.
وبينما كان لافتاً أن الحريري لم يدعُ (بعد لقائه دياب في البرلمان) مناصريه للخروج من الشارع بل رفَضَ طريق التعبير عن مشاعرهم، مؤكداً «عندما استشهد رفيق الحريري لم تُرْمَ حجرة على أحد، وأتمنى على الجميع ممن يعبّر عن نفسه ومشاعره أن يفعل إنما بكل طريقة سلمية، لأن الجيش جيشنا»، برز أن حركة الاحتجاج على تكليف دياب الذي لا يبدو من النوع الذي يمكن أن يتراجع أو يعتذر عن إكمال مهمته، شملت منزله إضافة إلى تحرك أمام دار الفتوى رفْضاً للقفز فوق المكوّن السني في تسمية رئيس الحكومة ودعوةً لعدم استقباله من المفتي عبد اللطيف دريان.

ومجمل هذا «الصخب» حصل على مرأى ومسمع من ديفيد هيل الذي أكمل أمس جولته بلقاء مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والأهمّ مع زيارة بالغة الدلالات لباسيل الذي سبق للديبلوماسي الأميركي أن زار بيروت مرة من دون أن يلتقيه وغالباً ما يتم التلميح إلى قرب وضْع عقوبات عليه.
ذلك ان باسيل تعمّد استقبال الديبلوماسي الأميركي في منزله وأقام مأدبة غداء على شرفه تخللتْها جولةٌ استمرّت لنحو ساعتين، وسط إشاعة أوساط رئيس «الوطني الحر» أجواء إيجابية عن اللقاء «حيث اعتبر هيل أنّ الإدارة الأميركية غير معنية باسم رئيس الحكومة، وغير معنية إلاّ من حيث ألا تحوي الحكومة أسماء استفزازية. والأهمّ برنامجها الإصلاحي، وطريقة تنفيذه».
وكان هذا فحوى الموقف الذي أبلغه هيل إلى كبار المسؤولين الذي التقاهم الجمعة، لجهة الدعوة إلى «حكومة جديدة تلبي تطلعات أبناء الشعب اللبناني ولاسيما الذين نزلوا الى الشارع، وتعمل على القيام بالإصلاحات المطلوبة» وأن «مَن يختار رئاسة الحكومة وأعضاءها هو الشعب اللبناني».