على الضفة الحكومية، الصورة ضبابية الى حد كبير. المعلومات والمعطيات حول شكل الحكومة العتيدة وطبيعتها وحجمها، تملأ الكواليس والصالونات السياسية وصفحات الصحف، وهي كثيرة وتتعارض وتتضارب. فأي توجّه هو الأصح وأي مسار سيعتمد الرئيس المكلف حسان الدياب إبان عملية التأليف؟ الجواب عن هذه الاسئلة لا يعرفه أحد، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. ما يزيد مهمة “استشراف المستقبل الحكومي” تعقيدا، هي التصريحات المتناقضة التي صدرت منذ تكليف دياب الخميس الماضي، والتي دلّت الى ان أهل الخندق السياسي الواحد “مبدئيا”، غير متفقين في ما بينهم، على تصوّر واضح وموحّد، للحكومة المنتظرة. فاذا كان بروز تفاوت في مواقف القوات والكتائب والمستقبل من جهة ودياب من جهة ثانية، مفهوما ومبررا، فإن الهوّة التي تباعد بين مواقف الاخير وتلك التي يُطلقها “عرّابوه” الحكوميون، والقوى التي سمّته في الاستشارات النيابية، كحزب الله وحركة امل، تثير علامات تعجب واستفهام كثيرة! الرئيس المكلف لا ينفك يؤكد منذ فوزه بالبطاقة الرابحة الى السراي، أنه سيشكل حكومة اختصاصيين مستقلين، وقد قال اليوم “الحكومة الجديدة ستكون وجه لبنان ولن تكون حكومة فئة سياسية من هنا وهناك.. وستكون حكومة اختصاصيين بامتياز”. ويتحدث عن توجّهه هذا، بحزم وصرامة شديدين لافتين، ويقول بثقة كبيرة ردا على من يسأله عن امكانية “رميه المنديل” في حال لم يتمكن من تحقيق ما يريد: لن أعتذر! في المقابل، يبدو ان مكوّنات فريق 8 آذار على خيار الحكومة “التكنو-سياسية”، وإن كان إعلامها ومَن يدورون في فلكها، تخلّوا عن “التسمية” اللفظية هذه في خطابهم، في الايام القليلة الماضية. ففي وقت قال رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد لقائه الرئيس المكلف السبت “اكدت على ان يكون تشكيلها مناسبة للمّ الشمل وبالتالي الاصرار على تمثيل جميع الشرائح البرلمانية، بدءا من الحراك والمستقبل وانتهاء بالقوات، مرورا بالاشتراكي”، أعلن وزير “حزب الله” في حكومة تصريف الاعمال محمد فنيش اليوم “أن الحكومة المقبلة بحاجة إلى غطاء سياسي، وعليه، فإننا ندعو إلى مشاركة واسعة من قبل الجميع، وهذا مقتضى المسؤولية الوطنية، والشعور بمشاكل الناس، من خلال الدعوة إلى أن يكون هناك مد يد العون للرئيس المكلف، لأنه لا بديل عن تشكيل حكومة، وبالتالي أي مطلب مهما كان محقا، لا يمكن أن يحقّق أو يعالج إن لم تكن هناك سلطة ومؤسسات تعمل”.
هذه السقوف المتباعدة الى حد التناقض، تؤشر الى خلاف لا بد سيظهر في الفترة المقبلة، بين دياب ومكلّفيه، شبيه بذلك الذي دفع بالرئيس سعد الحريري الى الانسحاب من السباق الى الرئاسة الثالثة. الا اذا كان أحد الطرفين “يقول غير ما يُضمر”. فدياب، بحسب المصادر، قد يكون يُسمِع الناس ما “تريد” ان تسمعه اليوم، وذلك لتهدئة الشارع المنتفض، والتفاوض “على البارد” مع القوى السياسية لايجاد ارضية تفاهم معها على التركيبة المنتظرة. غير ان سياسة “شراء الوقت” لن تنفع في إخماد عزيمة الثوار، وفق المصادر، واذا لم تكن الحكومة كما يريدون، فإنهم سيعودون حتما الى الشوارع وربما بزخم أكبر، ما يعني ان هذه اللعبة خطيرة.
في الموازاة، قد يكون “الثنائي الشيعي” في صدد القبول بشروط دياب المعلنة، اي بالانكفاء من الملعب الوزاري، كما كل القوى السياسية، تمهيدا لتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين. لكن لماذا يقدّم لدياب ما رفض إعطاءه للرئيس الحريري؟ هل لانه “يُمسك” به تماما بعد ان أوصله بـ”حصانه” الى السراي؟ أو هل “ضحّى” حزب الله وحركة أمل بالحريري كرمى للتيار الوطني الحر الذي تمسّك بمعادلة “الحريري والوزير جبران باسيل معا في الحكومة او معا خارجها”؟ ثمة قطبة مخفية في المشهد لا بد ان تتكشف مستقبلا، والخشية جدية من ان يكون تم تكليف دياب من دون اي اتفاق مسبق بينه وبين الثنائي، فنكون امام “عود على بدء” في الازمة الحكومية.