يسعى حسان دياب، رئيس الحكومة اللبنانية المكلف المدعوم من حزب الله والمرفوض من المكون السني، إلى استمالة شق من المتظاهرين لضرب وحدة الحراك الشعبي عبر الإيهام بوجود مفاوضات مع قادة الاحتجاجات لتجاوز مأزق التشكيل الحكومي، فيما يواصل أنصار رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري رفضهم تكليف حسان دياب على الرغم من دعوة رئيس تيار المستقبل أنصاره إلى ضبط النفس وإيقاف التظاهر.
بيروت – فيما كان متوقعا أن تشهد بيروت الأحد تظاهرة ضخمة سميت مليونية رفضا لتكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة، ظهرت بوادر محاولات جديدة لشق الشارع وصفوف الحراك الشعبي الذي أصدر بيانا يتبرأ فيه من أي مجموعة تلتقي رئيس الحكومة المكلف.
وبدا واضحا أن تفتيت الانتفاضة هو الرهان الأول في هذه المرحلة، علما أن الغضب لم يتبدد بعد مما اعتبرته قوى عديدة خرقا للميثاقية بتكليف دياب الذي لم يسمه سوى خمسة نواب سنَة خلال الاستشارات التي أجراها الرئيس ميشال عون قبل إصداره بيان التكليف.
ودعا وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى تشكيل حكومة تضم وزراء غير سياسيين. وكان لافتا أن كتلة حزب الله النيابية تمسكت بأن يكون “الحس الوطني” معيارا لاختيار الوزراء، مشددة على أن أبرز مهام الحكومة يجب أن تكون “الحفاظ على انتصارات اللبنانيين ضد إسرائيل”.
وتساءلت أوساط عما إذا كانت هذه إشارة إلى تمسك الحزب بصيغة “الشعب والجيش والمقاومة” التي أدرجت في بيانات وزارية لحكومات سابقة، من أجل استرضاء الحزب المتهم الآن بالوقوف وراء اختيار دياب وقطع الطريق على عودة سعد الحريري إلى ترؤس حكومة اختصاصيين.
وشدد باسيل على أن هذه “ليست حكومة حزب الله ونرفض إبعاد أي أحد عنها كما نرفض أن يبعدنا أحد”، فيما زادت الشكوك حول الصيغة التي ستحفظ للحزب وحليفته حركة أمل والتيار الوطني الحر نفوذا مباشرا في حكومة أعلن دياب أنه سيحرص على إشراك الحراك الشعبي فيها وأنها ستكون لكل اللبنانيين. لكن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وصفها بأنها حكومة “الفرسان الثلاثة”، في إشارة إلى حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر.
وسارع الحراك الشعبي الأحد إلى إصدار بيان ينفي وجود تفاهم لبدء حوار مع رئيس الحكومة المكلف، بعدما ترددت أنباء صباحا عن توجه وفد من الحراك إلى منزل دياب. وفي وقت لاحق نقلت قناة “أم.تي.في” عن محمد نون، الذي وصف نفسه بأنه يرأس البنك الإعلامي اللبناني، قوله لدى مغادرته منزل دياب إنه كان في مرحلة أولى ضمن مجموعة مع الحراك في الشارع ثم انسحبت لدى تعرض الجيش اللبناني لاعتداءات.
وأضاف أنه جاء للقاء رئيس الحكومة المكلف بوصفه مستقلا، داعيا الجميع إلى تلقف دعوة دياب إلى الحوار. وذكر أنه قدّم إلى الأخير ملفا عن التطور التكنولوجي في الثورة الرقمية، وأنه لم يطلب شيئا لنفسه.
وحين سئل عمن يمثل وهو وجه غير معروف لدى الإعلاميين في بيروت؟ أجاب بأن له تجربته في مؤسسات إعلامية كبرى.
وتفيد أوساط بأن محمد نون أقام سنوات في طهران حيث عمل مراسلا لصحيفة “الحياة” التي كانت تصدر في لندن، ثم عاد إلى لبنان للعمل لدى “بي.بي.سي”.
ويواصل أنصار رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية سعد الحريري، احتجاجاتهم رفضًا لتكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة المقبلة، فيما لم تفلح دعوات متكررة من الحريري، زعيم تيار المستقبل، في إقناع أنصاره بعدم الاحتجاج وقطع الطرقات.
وفيما توافد الآلاف من المحتجين إلى ساحة الشهداء في قلب بيروت مساء أمس بدا أن هناك توجهين في صفوف المنتفضين، أحدهما يدعو إلى منح رئيس الحكومة المكلف فرصة ليشكل الحكومة ويطرح برنامجا محددا، في حين أصرت الغالبية على رفضه. ونددت بتوزيع صور من لقاء جمع حسان دياب بمجموعة من الأشخاص تردد أنها تنتمي إلى المنتفضين. وكان اللافت أمس أن بطريرك الموارنة بشارة الراعي حض جميع القوى على التعاون مع رئيس الحكومة المكلف.
وأبلغت كتلة المستقبل البرلمانية (19 نائبًا من 128)، بزعامة الحريري، دياب بأنها “لن تشارك بالحكومة، ولن تعرقل تشكيلها”، بحسب ما صرح به النائب عن الكتلة، سمير الجسر، السبت.
واعتذر الحريري مرتين عن عدم ترشحه لتشكيل الحكومة، في ظل إصراره على تأليف حكومة تكنوقراط، تلبية لمطلب المحتجين، بينما ترغب قوى سياسية أخرى في تشكيل حكومة هجينة من سياسيين واختصاصيين.
ويواصل أنصار الحريري احتجاجاتهم رغم أنه دعاهم إلى عدم الاحتجاج، إذ غرد على تويتر الجمعة، قائلًا “يلي فعلًا بحبني يطلع من الطرقات فورًا”.
ويرى محللون أن الحريري يعتقد أن دياب يمثل مرحلة مؤقتة لا تستدعي فتح معركة كبرى، أو أن تكليف دياب بتشكيل الحكومة يمثل تحدياً لكافة التيارات السياسية المناوئة لحزب الله، وتحديا للحراك الشعبي المندلع منذ شهرين. كما أنه يمثل تحديا للمجتمع الدولي الذي وصفته وسائل إعلام غربية، لاسيما في باريس ولندن وواشنطن، بأنه مرشح حزب الله، وبالتالي لن يخوض الحريري المعركة وحده.
وقالت بعض المعلومات إنه بغض النظر عن حسابات الحريري التي تبرر اعتذاره وتفسر موقفه غير العدائي من دياب، فإن تحركا داخل الطائفة السنية يجري وقد يظهر تحت رعاية دار الفتوى للاعتراض على حالة التطاول على حقوق الطائفة التي يؤمّنها الدستور في لبنان، كما حالة الاستهتار بدور السنة التاريخي في البلد.
ويصر المحتجون على تشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على معالجة الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990. كما يطالبون باستعادة الأموال المنهوبة ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار إلى الكفاءة.