على وقع إنهاء مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل محادثاته في بيروت داعياً الى تشكيل «حكومة إصلاحات مستدامة»، أنجز الرئيس المكلف حسان دياب مشاوراته النيابية غير الملزمة لتأليف الحكومة، وانتقل منها الى مشاورات سياسية تمهيداً للبدء في اعداد تشكيلته الوزارية التي وعد بأن تكون من «الاختصاصيين المستقلين» وان ينجزها بين اربعة الى ستة أسابيع. فيما لم تتوقف حركة احتجاج مناصري تيار «المستقبل» وبعض قوى الحراك على تكليفه، حيث استمر هؤلاء في التصعيد وإقفال الطرق في بيروت وبعض المناطق.
كان اللافت خلال استشارات التأليف النيابية غير الملزمة، التي أجراها دياب طول السبت الماضي في مجلس النواب، انّ آراء مؤيدي تكليفه والمعارضين أجمعت على الدعوة الى تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين، الى درجة انّ دياب نفسه أكد بإصرار وثقة في ختام هذه الاستشارات التي انتهت نيابياً وبدأت سياسياً، التزامه تأليف مثل هذه الحكومة واعداً بولادتها خلال اربعة الى ستة اسابيع حداً أقصى.
وقد تلاقت هذه الدعوات الى تأليف مثل هذه الحكومة مع المواقف الدولية التي تنادي بها ايضاً، ولاسيما منها الموقف الاميركي الذي ما برح ينادي منذ بداية الازمة الحكومية الى تأليف «حكومة تكنوقراط» من المستقلين بعيداً عن أي مشاركة حزبية او سياسية.
واشنطن لحكومة إصلاحات
وفي هذا السياق اعلنت وزارة الخارجية الاميركية في بيان اصدرته أمس أنّ وكيلها للشؤون السياسية ديفيد هيل اختتم زيارة للبنان استغرقت يومين حيث التقى مسؤولين حكوميين، من بينهم الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بالاضافة الى ممثلين عن الأحزاب السياسية.
وقالت الوزارة انّ هيل «حَضّ القادة اللبنانيين على إبعاد المصالح الحزبية، ودعم تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على إجراء إصلاحات مستدامة ومفيدة. كذلك دعا الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية إلى مواصلة ضمان حقوق المحتجين وسلامتهم. وأكد من جديد شراكة أميركا الطويلة الأمد والتزامها الدائم بلبنان الآمن والمستقر والمزدهر».
«الثقة بالنفس»
وفي غضون ذلك توقفت مصادر متابعة باهتمام عند ما وصفته «الثقة بالنفس التي يعبّر عنها الرئيس المكلف، والتي توحي كأنه محصّن بقوة دفع كبيرة ومدرك الأرض التي يقف عليها، الى درجة انه لم تؤثر فيه حتى الآن محاولات البعض للتشكيك به، ولإحداث شرخ بينه وبين القوى التي سَمّته، وهي محاولات بدأت مع استشارات التكليف ثم مع مشاورات التأليف وبينهما صموده المستمر امام ضغط الشارع، فضلاً عن طريقة تعبيره بحزم عن مواقفه والعبارات الحاسمة التي يستخدمها».
وأضافت هذه المصادر انّ هذه العبارات امّا تكون معبّرة عن واقع قوي ينطلق منه الرجل، وإمّا يمكن أن تتحول لغير مصلحته في حال عدم تمكّنه من الايفاء بها، فهي إمّا قد تكون تعابير دقيقة تعكس ما يملكه من خلفية ومن ضمانات تكفل قوة الدفع لديه، وإمّا قد تكون عكس ذلك فترتد سلباً عليه ويفشل في مهمته، خصوصاً اذا ثبت ان لا قوة دفع لديه. لكنّ الملاحظ انّ دياب لم يهتز امام الكلام التخويني الذي يتعرض له، ما دفع البعض الى الاعتقاد باحتمال وجود «قبّة باط حريرية» تشجّعه على تأليف حكومة وعدم الذهاب الى اللامكان».
ولاحظت المصادر أنه في خضم هذه التطورات المتسارعة جاء الموفد الاميركي هيل الى لبنان وتعامَل معها بقفّازات من حرير، على عكس مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر الذي يتعامل بقفازات من شوك.
استشارات موسعة
وكان دياب قد واصل أمس اتصالاته ومشاوراته منتظراً وفداً يمثّل الحراك، فلم يزره سوى بعض الشخصيات التي لم يتعرف اليها الحراك، وهو ما تسبب بمواجهات كلامية بين محتجّين تجمعوا امام منزله في تلة الخياط بوجود مجموعات من قوى الأمن الداخلي، قبل ان تحضر ظهراً مجموعة من قوة مكافحة الشغب الى المكان مخافة وقوع مواجهات بين المحتجّين ومن تبنّى تمثيله للحراك.
ونَفت مصادر قريبة من الرئيس المكلف، عبر «الجمهورية»، مضمون بعض اللوائح التي تم تبادلها على وسائل التواصل الإجتماعي، والتي قالت انها تشكيلة حكومية أولية، معتبرة أنّ الحديث عن تشكيلة جاهزة ليس في مكانه. ولفتت الى انّ دياب يسعى الى حكومة مصغرة من الإختصاصيين المُلمّين بشؤون الوزارات تحديداً.
وقالت هذه المصادر انّ مشاوراته ستتوسع بدءاً من اليوم، لتشمل عدداً من الشخصيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وسيلتقي ممثلين لأحزاب غير ممثلة في مجلس النواب في الأيام المقبلة، في موازة البحث عن الوزراء الذين يرغب في أن يكونوا في عداد التشكيلة الجديدة.
وحيال اللغط الذي رافق لقاءاته بعدد من ممثلي الحراك أمس، قالت المصادر انّ دياب لم يعلن أنه التقى ممثلين عن الحراك، وانّ من ادعّى ذلك لا يمثّل إلا نفسه، وان الرئيس المكلف طلب التثبت من هوية زوّاره فور تبلغه بعض الخروقات التي حصلت.
وقالت هذه المصادر انّ مساعدي دياب فوجئوا ببعض الزوار في الوقت المحدد لممثلي الحراك كما تمنى من قبل. ولفتت الى انّ احد الزوار امس رغب أن يقدّم له كتاباً، مُستغلاً الموعد المحدد عند الثانية بعد الظهر، وإنّ لقاءه بالرئيس المكلف لم يتعدّ دقائق قليلة و»على الواقف». ولذلك، فإنّ وصف بعض الصحافيين هذا الزائر له بأنه ممثل للحراك لا يعني انّ دياب التقى ممثلين عنه.
وأشار دياب في سلسلة تغريدات عبر «تويتر» الى أنّ «لبنان في العناية الفائقة، ويحتاج الى كل جهد ممكن من القوى السياسية والحراك الشعبي»، مضيفاً «بدأنا الحوار مع الحراك ومهلة تشكيل الحكومة ستتراوح بين 4 و6 أسابيع».
وحدّد برنامج الحكومة بـ«محاربة الفساد والنهوض الاقتصادي والمالي». وشدّد على أننا «بحاجة إلى حكومة مُستقلين واختصاصيين»، كاشفاً عن أن «هدفه أن نشكل حكومة مصغّرة من نحو 20 وزيراً».
«القوات»
وفي سياق متصل، كشفت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» ان تكتل «الجمهورية القوية» «كان خلال لقائه مع الرئيس المكلف شديد الوضوح لجهة ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، واستفاضَ في الشرح حيال أهمية تأليف حكومة من هذا النوع، والتي تشكّل المعبر الوحيد لإنقاذ لبنان من نكبته المالية الاقتصادية غير المسبوقة منذ قيام الجمهورية اللبنانية الى اليوم».
وقالت هذه المصادر «إنّ «القوات اللبنانية» التي رفضت منح الثقة في التكليف لن تمنح التأليف ثقتها أيضاً، في حال لم تكن الحكومة مشكّلة على قاعدة اختصاصيين مستقلين، وهي متشددة جداً في هذه النقطة لأن البلاد في أزمة وطنية كبرى ولا يجوز المغامرة باستنزاف مزيد من الوقت حفاظاً على مواقع سلطوية والدفاع عن نفوذ سياسي على حساب مصلحة البلد وعلى حساب أولوية الناس. وبالتالي، في حال الاصرار على تأليف حكومة تكنو-سياسية وفق ما هو ظاهر لأنّ طريقة التكليف يبدو أنها ستنسحب على التأليف، فستكون البلاد امام مزيد من الانزلاق نحو الانهيار الشامل، الأمر الذي سيحمّل الاكثرية الحاكمة مسؤولية وتَبعات، ليس فقط ما وصلت اليه البلاد بفِعل سياساتها الفئوية والسلطوية، إنما ايضا بفعل عدم أخذها في الاعتبار ضرورة الذهاب الى حكومة إنقاذية حقيقية، وليس انقاذية في الشكل إنما انقاذية بالفعل وبالمضمون، لأنّ ما يحصل اليوم هو تركيبة نسخة طبق الاصل عن التركيبات السابقة، والفارق هو فقط في الشكل لناحية انّ القوى السياسية هي التي ستسمّي وزراء التكنوقراط حيث أنّ الادارة ستبقى نفسها، الادارة الاكثرية السياسية الحاكمة. وبالتالي، كيف يمكن منح ثقة لإدارة أوصَلت البلد الى الفشل، وهي نفسها تعود من نافذة مختلفة تسمّي الوزراء أنفسهم، الامر الذي يقود مجدداً الى الفشل.
الحراك والاعتراض
على صعيد الحراك لم يخفت وهج الإعتراض «السني» على تسميّة دياب رغم دعوات التهدئة، فأقفل أمس مناصرو «التيار الأزرق» الطرق من البداوي، المنية، البالما، شمالاً وكورنيش المزرعة وتقاطع المدينة الرياضية في بيروت، وخلدة والدامور على الطريق الساحلية الى الجنوب وبرّ الياس وتعلبايا وسعدنايل في البقاع.
أمّا على صعيد الانتفاضة، فانطلق عدد كبير من المواطنين في باصات من طرابلس إلى بيروت للاعتصام وسط المدينة، رفضاً لتكليف دياب ودعماً لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. وعند نقطة جسر المدفون، توقّفت الباصات إثر إجراءات تفتيشية للجيش اللبناني، خلافاً لِما تداولته مواقع التواصل الإجتماعي حول منع هذه الباصات من المرور.
وشهدت ساحتا الشهداء ورياض الصلح ازدياداً ملحوظاً في أعداد المتظاهرين أمس، ولم يخلُ التحرّك السلمي من الأجواء المشحونة، فوقع إشكال بين المتظاهرين وبعض المُندسّين إستخدمت خلاله العصي والحجارة، وتدخّلت فرقة مكافحة الشغب لفَضّه. وأُفيد مساءً عن بدء انتقال المعتصمين إلى محيط مجلس النواب، بعد وصول أعداد من الناشطين من مناطق مختلفة.
كذلك تجمّع عدد من شباب الحراك المدني أمام منزل دياب في تلة الخياط احتجاجاً على ادّعاء البعض تمثيل هذا الحراك، ورفضاً لأيّ موعد للحوار مع الرئيس المكلف.
وعلى الأثر أكّد عضو الهيئة العامة لـ»هيئة تنسيق الثورة» محمد عبدالله أنّه «خلافاً لما يروّج، فإنّ الهيئة لن تلتقي الرئيس المكلف اليوم، وهناك نقاش بين المكونات في الهيئة العامة لوضع ورقة سياسية تحدد طريقة تعاملها مع الملف الحكومي، مع التأكيد والإصرار على تمسكها بحكومة اختصاصيين حيادية».
مأزق مُبكر
ومع بداية الاسبوع، تنطلق مساعي الرئيس المكلف لتشكيل حكومته. ومع هذه الانطلاقة، تتزاحم علامات الاستفهام المتعلقة بالوضع المالي والاقتصادي، وكيف ستقارب الحكومة الجديدة عندما ترى النور هذا الملف الرئيسي في مهمتها.
ويسود تخوّف مبكر من أنّ الحكومة المنتظرة قد لا تمتلك مساحة كافية من الحرية لكي تعالج الأزمة الاقتصادية، إذ تتداخل القرارات المالية بالحسابات والخطوط الحمر السياسية. وعلى سبيل المثال، هناك شبه إجماع على أنّ الخروج من المأزق المالي يحتاج دعماً خارجياً مباشراً. لكن من المعروف انّ هناك فريقا سياسيا في البلد يرفض من حيث المبدأ اللجوء الى صندوق النقد الدولي، ويعتبر انه نوع من أنواع الوصاية الدولية المرفوضة. والسؤال، كيف ستعالج أي حكومة تكنوقراط مثل هذه الاشكالية وهي واحدة من لائحة طويلة من الاشكاليات التي يحتاج تذليلها توافقاً سياسياً حولها، غير متوافر حتى الان، وليس مضموناً انه سيتوافر في المستقبل؟
أزمة حياتية
الى ذلك، يُجمع الاقتصاديون على ان الأزمة الحياتية لم تبدأ فعليا بعد، وان اللبناني سيشعر بثقل الوضع المعيشي بدءاً من 2020، وتحديدا في شباط، عندما يبدأ مخزون السلع بالنضوب.
وقال مصدر متابع لـ«الجمهورية» انّ «نمط حياة المواطن اللبناني سيتغيّر، وسيكون عليه أن يعتاد عدم توفُّر الكثير من السلع الاستهلاكية في الاسواق. كما انّ مدخوله سيتراجع، وستصبح قدراته الشرائية ضعيفة، وسيشعر بضيق العيش من كل النواحي. كذلك سيكون على المواطن ان ينسى كل ما هو مصنّف ضمن الكماليات. لا سيارات جديدة من الشركة، لا أدوات كهربائية مستوردة، ولا قطع غيار، ولا أصناف طعام فاخرة”.
وزير خارجية ايطاليا
أعلنت السفارة الإيطالية في بيروت انّ وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويدجي دي مايو سيزور لبنان اليوم، وسيلتقي نظيره اللبناني جبران باسيل، على أن يزور بعد ذلك مقر القوات الدولية في الناقورة ويتفقّد الكتيبة الإيطالية العاملة في إطار هذا القوات في جنوب لبنان.