كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
ليس في متناول لجنة المال والموازنة النيابية التي تدرس مشروع «دمج دور المعلمين والمعلمات» أي دراسة علمية موضوعية تشرح جدوى التجميع من جهة أو «الانفلاش» من جهة ثانية. القرار الذي يعتقد أنّه اتخذ على أساس سياسي «دُس» في موازنة العام 2020، بلا أي خطة تربوية ووطنية، وبمعزل عن الواقع الحالي لهذه المراكز وتوصيف الدور المطلوب منها
يُنتظر أن تحسم لجنة المال والموازنة النيابية، غداً، الوجهة بشأن المادة 26 من مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2020، المتعلقة بتجميع دور المعلمين والمعلمات، والتي تنص على أن «ينشأ في كل محافظة دار معلمين مركزي واحد فقط في مركز المحافظة وتدمج دور المعلمين المنشأة بالأقضية في دار المعلمين على مستوى المحافظة، اعتباراً من العام الدراسي 2020 – 2021». تطرح المادة خفض عدد مراكز دور المعلمين من 33 في المحافظات والأقضية إلى 8 دور فقط في 8 محافظات، تحت عنوان «عصر الإنفاق». وبحسب المركز التربوي، فإن الدور المستأجرة المقترح دمجها أو إلغاؤها هي: صور، بشري، جب جنين، بعقلين، حلبا، القبيات، كوسبا، شحيم عانوت، زغرتا والهرمل.
هذه المادة أثارت، في الأيام الماضية، نقاشاً تربوياً وسياسياً واسعاً داخل لجنة المال، وفي صفوف التربويين. وكانت موضع تجاذب بين رأيين: الأول رأى أنّ «انفلاش» دور المعلمين بالشكل الحالي هو بمثابة «مزراب هدر»، لا سيما بعد اقتصار مهمتها على التدريب فقط من دون الإعداد، واستقطاب أساتذة وموظفين لا حاجة لخدماتهم فيها. فيما يدافع الآخر عن وجود دور المعلمين في الأقضية انطلاقاً من أنها حاجة أساسية لتدريب المعلمين في المناطق، على خلفية أن هؤلاء يتكبّدون عناء اجتياز مسافات طويلة للالتحاق بالدورات التي ينظمها المركز التربوي للبحوث والإنماء، في اطار مشروع التدريب المستمر، ونظراً للبعد الجغرافي، وكلفة النقل والانتقال.
المركز التربوي كان في طليعة المعترضين على الدمج «العشوائي الذي يضرب التعليم الرسمي»، داعياً إلى «إلغاء المادة 26 التي تحصر عمل دور المعلمين والمعلمات بالتعليم الاساسي، باعتبار أن المركز يعنى، وفق قانون إنشائه، بتدريب العاملين في جميع مراحل التعليم وحقوله، باستثناء التعليم الجامعي (مديرون، نظار، منسقو مواد، معلمون، مدربون مرشدون واداريون وغيرهم)».
وبحسب مصادر في لجنة المال والموازنة، وضعت رئيسة المركز ندى عويجان في متناول أعضاء لجنة المال معطيات تعزز موقف الاعتراض، ومنها أساساً أن صدور المناهج الجديدة سيرّتب تدريب جميع أفراد الهيئة التعليمية والإدارية في القطاعين الرسمي والخاص، وأن الدور في مراكز المحافظات لن تكون قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المتدربين.
وفيما كشفت المصادر أنّه ليس بين أيدي لجنة المال أي دراسة علمية تشرح الأسباب الموضوعية للمحافظة على مراكز الدور الحالية أو دمجها، فإنّ واضعي المادة لم يقفوا على رأي المركز التربوي أو حتى التفتيش التربوي في هذا الخصوص. ولمّحت المصادر إلى أنّ نقاش الملف في اللجنة أخذ بعداً سياسياً مع تأييد تيار المستقبل لتجميع دور المعلمين ومعارضة التيار الوطني الحر لهذا الطرح. كذلك استغربت كيف يُرفض تفريع كلية التربية التي تقتصر الآن على الفرعين الأول والثاني في بيروت، فيما يجري التمسك بتفريع دور المعلمين في الأقضية. اذ يمكن أن يضم القضاء الواحد مركزين لدور المعلمين، فيما يلحق بها المعلمون على أساس التنفيع السياسي بصورة أساسية. وشرحت المصادر أن الهدر الحاصل ليس في الإيجارات فحسب، إنما في الطاقم التعليمي الملحق بالدور والذي لا عمل له، والذي قد يصل عدده في بعض الدور إلى 10 معلمين.
وكانت عويجان برّرت ضرورة المحافظة على دور المعلمين في الأقضية بالقول إنّ هناك «13 داراً من أصل 33 مستأجرة والباقي إما ملك أو ضمن مدرسة رسمية، وأنّ قيمة بدل الإيجار للدور الفرعية (المقترح اقفالها) لا تتجاوز 313 مليون ليرة لبنانية سنوياً».
إزاء هذا الجدل، ما هي مهمة دور المعلمين أساساً وماذا تفعل حالياً؟
أنشئت دور المعلمين والمعلمات عام 1953، وكانت تتبع مصلحة إعداد المعلمين في وزارة التربية، حتى تاريخ إنشاء المركز التربوي للبحوث والإنماء في العام 1972 (مؤسسة عامة)، الذي صار مسؤولاً عن إعداد المعلمين لمرحلة التعليم الأساسي (بحسب التسمية المحددة في هيكلية التعليم الجديدة).
ووفق مصادر تربوية مطلعة، توسع عدد دور المعلمين من خمس في المحافظات إلى 33 داراً، خُصصت ست منها لتطبيق مشروع التدريب المستمر الذي بدأ العمل به في شباط 2005؛ ما جعل الدور الأخرى من دون أية مهام أساسية، لا سيما بعد صدور القانون 344/2001، الذي حظّرَ في مادته 5 دخول سلك التعليم إلا لحملة الإجازات وما فوق؛ وهو ما فسّر بأن مهمة إعداد المعلمين أصبحت على عاتق كلية التربية في الجامعة اللبنانية حصراً، فضلاً عن الهدر الحاصل في النطاقين البشري والمالي جراء توقف هذه الدور عن الاضطلاع بمهامها الأساسية في إعداد المعلمين وتأهيلهم (مئات الموظفين ومئات ملايين الليرات بدلات إيجار).
المصادر لفتت إلى أنّ الفلسفة المفترضة لعمل الدور هي تحويلها إلى «مراكز موارد» تزوّد المعلمين بالموارد الورقية والرقمية، مثل الكتب المرجعية والأقراص المدمجة والبوسترات الخاصة بالمواد التعليمية واللامنهجية على السواء، فضلاً عن تنظيم لقاءات تربوية للاستجابة لحاجات تربوية في منطقة بذاتها، ووجودها، بهذا المعنى، ضروري في كل الأقضية. أما ما حصل عملياً فهو سحب مهمة الإعداد من الدور وإقفال المكتبات «حيث يعلو الغبار الكتب»، وفق تعبير المصادر، وعدم تفاعل إدارات الدور مع المحيط المحلي الاجتماعي والاقتصادي إلاّ في ما ندر.
وفيما نفت المصادر أن تكون هناك خطة وطنية أو دراسة حاجات لدور المعلمين، أظهرت دراسة للمفتشية العامة التربوية أجريت في العام الدراسي 2013 – 2014، أن مهمة الدور اقتصرت على التدريب وتوزيع بعض النشرات والأدلة التربوية على المدارس التي تفيد بحاجتها الى هذه المستندات، وبالتالي فإنّ استمرار دور المعلمين بواقعها الحالي يشكل هدراً في الموارد البشرية والمادية (بدلات الايجار للأبنية المستأجرة لصالح دور المعلمين إضافة الى التجهيزات والوسائل التربوية في الدور غير العاملة في نطاق التدريب المستمر، أو التي أوكلت إليها هذه المهمة بصورة جزئية مرتبطة بموضوعات محددة ولآجال معينة).
يومها، سجلت المفتشية العامة وجود 66 أستاذ تعليم ثانوي (فئة ثالثة)، 64 مدرّساً (فئة رابعة)، إضافة الى 26 إدارياً و31 مستخدماً (حجاب، خدم وحراس)، وهؤلاء يتقاضون رواتبهم وهم يقومون بالنزر اليسير من الأعمال، خصوصاً أنّ تدريب المعلمين، ضمن مشروع التدريب المستمر، هو على عاتق أساتذة متعاقدين. وأوصت بالحاق المزيد من المدرّسين والأساتذة بدور المعلمين، وتوزيع الفائض عن حاجتها على المدارس والثانويات المحتاجة إلى خدمات هؤلاء واختصاصاتهم.