كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
قيل الكثير عن الأجواء السياسية التي سادت محادثات مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل خلال زيارته لبيروت التي اختتمها ليل أول من أمس بلقاء قائد الجيش العماد جوزيف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وجاءت بعد أقل من 24 ساعة على تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، مع أن الموفد الأميركي أبلغ من التقاهم في جولته بأن لا دور لواشنطن في تسمية دياب، وبالتالي يفضّل عدم التعليق على اختياره.
وتبيّن في جولة استقصائية قامت بها «الشرق الأوسط» على عدد من القيادات أو معاونيهم ممن شملتهم لقاءات هيل في بيروت أن الأخير لم يأت على ذكر تكليف دياب بتشكيل الحكومة في معظم الاجتماعات التي عقدها حتى أنه «تصرف بحيادية مطلقة»، رغبة منه بعدم التدخّل لا سلباً ولا إيجاباً.
وكشف أحد من التقاهم هيل بأنه «تجنّب التعليق على تكليف دياب، إضافة إلى تشكيل الحكومة الجديدة، وعزا السبب إلى رغبته في قطع الطريق على من سيحاول استغلال وجهة نظره وتوظيفها استجابة لرغباته أكان من مؤيدي تكليفه أو من معارضيه».
ولفت إلى أن هيل «استغرب كيف أن أحد الذين التقاهم تحدّث معه وكأن لبنان لا يرزح تحت وطأة أزمة عاتية، وهذا ما دفعه إلى السؤال عن الأسباب الكامنة وراء إنكاره لواقع الحال في البلد في ضوء دخوله مع تصاعد الحراك الشعبي في مرحلة سياسية جديدة غير تلك التي كانت قائمة قبل انطلاقته».
وإذ فضّل عدم الكشف عن هوية المسؤول الذي أنكر وجود أزمة، فإن هيل أبلغه في المقابل بأن «الإصلاح بات ضرورياً ولا مفر منه وهو يأتي تعبيراً عن مطالبة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين بضرورة تحقيقه عملاً لا قولاً».
وفي هذا السياق، ينقل عن هيل قوله إن واشنطن «تحدد موقفها من الحكومة انطلاقاً من برنامجها السياسي والإصلاحي ومدى استجابتها بخطوات ملموسة لتطلعات الشعب اللبناني». وأكدت المصادر أن هيل ركّز في محادثاته على مجموعة من النقاط، أبرزها «ضرورة التزام الحكومة الجديدة بسياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول ومنها دول الخليج العربي».
كما أبدى «استعداد واشنطن لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للبنان وتعليق مساعداتها الأخرى باستثناء المؤسسة العسكرية إلى ما بعد التأكد من برنامج الحكومة على المستويين السياسي والإصلاحي». وأوضح مصدر أن «معظم الدول الأوروبية تتواصل يومياً مع واشنطن طلباً لتقديم مساعدات مالية للبنان لكن التريّث يغلب على الموقف الأميركي للأسباب ذاتها، رغم أن مقررات مؤتمر سيدر ما زالت قائمة لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية، وإن كانت تحتاج إلى معاودة تحريكها لدى الدول والمؤسسات المالية التي شاركت فيه والتي تربط تعويمها ببرنامج الحكومة الجديدة للإصلاح المالي والإداري، إضافة إلى توفير الحل لأزمة الكهرباء التي تزيد من حجم العجز في الميزانية العامة».
وشدد هيل، بحسب المصادر، على أن واشنطن «ضد استخدام العنف في وجه المتظاهرين الذين يعبّرون عن تطلعات الشعب اللبناني ويعكسون أوجاعه بسبب الأزمة الاقتصادية».
ولم يكن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مدرجاً على جدول محادثات هيل في بيروت باعتبار أن هذا الملف بيد ديفيد شينكر الذي خلف السفير ديفيد ساترفيلد في متابعته، وبالتالي فهو على استعداد للتحرك حيال أي مستجدات يمكن أن تطرأ على هذا الصعيد.
وكرر هيل لمن التقاهم أن واشنطن لا تزال على موقفها من «حزب الله» وأيضاً من إيران على الصعيد الإقليمي، وأنها «لن تتهاون في العقوبات المفروضة عليهما، ولن تتوانى الخارجية الأميركية عن التحرك فور صدور أي شيء في خصوص العقوبات عن وزارة الخزانة الأميركية».
لكن يبقى الأهم في محادثات هيل في بيروت توجيه رسالة لمن يعنيهم الأمر، وتحديداً إلى من هم على رأس الدولة الآن، ومن خلالهم إلى رئيس الحكومة العتيدة، تتضمن أمرين هما التشديد على استمرارية قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة لمحادثات هيل في بيروت أن الخلوة التي عقدها الأخير مع وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «تطرّقت إلى ضرورة الحفاظ على النظام المصرفي في لبنان وتوفير كل حماية له لأنه يشكل رأسمال البلد من الوجهة المالية والسياسية، ويعود الفضل في تحصينه إلى الدور الذي يقوم به حاكم المصرف رياض سلامة».
واعتبرت المصادر نفسها أن التركيز على دور سلامة في هذا الخصوص والتعامل معه على أنه مصدر ثقة «يشكل رسالة للسلطة اللبنانية تنطوي على التحذير من المساس به وطرح تغييره على بساط البحث في اجتماعات الحكومة الجديدة، خصوصا أن بعض من هم في الفريق الوزاري والاستشاري لرئيس الجمهورية ميشال عون وأيضاً للوزير باسيل لم يتوقفوا عن المطالبة باستبداله».
لذلك، فإن الموقف نفسه ينسحب على العماد جوزيف عون الذي أثبت جدارته بقيادة المؤسسة العسكرية وتصرّف بمسؤولية حيال «الحراك الشعبي» ولقي تأييداً تجاوز الأخير إلى معظم القوى السياسية، وبالتالي فإن وجوده يبقى حاجة سياسية وأمنية.
وعليه، هل يؤمّن الرئيس دياب الحماية لهذين الموقعين ويمنع التعرّض لهما من قبل باسيل الذي يتصرف على أنه الآمر الناهي في كل شيء، أم أن الأخير لن يُقدم على مغامرة من هذا النوع يُفترض أن تلقى معارضة سياسية واسعة.
من جهة ثانية، علمت «الشرق الأوسط» بأن هيل أبلغ من التقاهم ولو متأخراً بأن واشنطن لم تكن أبدا ضد ترشُّح زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وأن لا أساس من الصحة لكل ما قيل على هذا الصعيد.