كتب أحمد الزعبي في “اللواء”:
ما كان ينقص عملية تكليف حسّان دياب من قبل الثنائي باسيل – أمل – حزب الله بتشكيل حكومتهم، إلا «المساطر» التي التقاها الأحد كـ«ممثلين» عن الانتفاضة الشعبية، لتكتمل بذلك مسرحية السلطة الغارقة بالإنكار والمقامرة والمغامرة بحاضر البلد ومستقبله.. كوميديا سوداء تملأ الوقت الضائع بالعبثية والخفّة الممزوجة بالغَرَضية والمكر، ولو أدى ذلك إلى الانهيار. ما لهذا ثار الناس ولا لأجله ملؤوا الساحات رفضاً للفساد والهيمنة والمحاصصة.
كشفت عملية التكليف وما سبقها ورافقها من ملابسات، أن الانتظار 53 يوماً مزروعة بالعراقيل والكمائن وتكبير المطالب؛ سببه انتظار عزوف سعد الحريري عن الترشح لا أكثر، لأن قبول ترشيحه كان مربوطاً بسلسلة اشتراطات وأثمان، أو التلويح بعدم تسميته وإرهابه بـ«الميثاقية» المسيحية، ثم على حين غفلة يتم تكليف شخصية أخرى تحت سقف الميثاقية المسيحية – الشيعية رئيساً مكلفاً مطابقاً لمواصفات السلطة ومن دون ميثاقية ولا من يحزنون.
أكثر من ذلك، أَتعبَ مفوهو السلطة أنفسهم بالدفاع عن تمسكهم بحكومة تكنو–سياسية بوصفها تتوافق مع ما درجت عليه العادة في حكومات ما بعد الطائف (فجأة صاروا من عشّاق الطائف)، ولما سمّوا حسان دياب (صاحب الستة أصوات سنية فقط لا غير) خرجَ ليعلن أنه سيشكّل حكومة اختصاصيين مستقلين بمباركة من سمّاه!! ثم إن حصل وتشكلت هكذا حكومة، فأغلب الظن أن وزراءها سيكونون مكبّلين بحكومة ظل تدير الأمور من وراء ستار، بمعنى أوضح تسعى الطبقة الحاكمة لتدوير سلطتها وإعادة انتاجها بوجوه جديدة في معركة مفضوحة تتستر تارة بالدستور وتارة أخرى بالميثاقية بهدف فرض أمر واقع يغتال الانتفاضة الشعبية ويعبّد الطريق لتعويم الطبقة الحاكمة من جديد.
عطل «حزب الله» البلد سنتين ونيف بحجة انتخاب الأكثر تمثيلاً مسيحياً، ثم أدار لعبة عرقلة تسمية رئيس مكلف بتشكيل حكومة يحظى برضا الناس والبيئة السنية ويتناسب مع ضرورات المرحلة الحرجة، قبل أن يُخرج مرشحه الخفي، وإن بمعايير تناسب المقام (نائب رئيس الجامعة الأميركية، بروفسور، مستقل، وتكنوقراط).
لقد أثبت «حزب الله» أنه هو من يسمي الرئيس المسيحي والشيعي والسني، وبات مشروعاً جداً بوجه ما حصل القول إن طريقة التكليف مسّت بالعيش المشترك، بحسب الرئيس فؤاد السنيورة. ليس دفاعاً عن الرئيس سعد الحريري الذي أعلن عزوفه عن الترشح أو التسمية وربما يوضح يوماً ما خبايا ما حصل ومن نصحه بخياراته أو زينها له بدءاً من التسوية الرئاسية وصولاً إلى واقعة التكليف، بل لأن التهاون في الاستهتار بمكوّن وطني أساسي تجاوزَ كل منطق واعتبار وحساب. هي مشكلة وطنية، لا مشكلة شخص أو تيار، تؤسّس لتكرار هذا التجاوز.
يكرّر حسان دياب التأكيد بأنه لن يعتذر، وبكثير من الطمأنينة يقول إن حكومته العتيدة ستضم الجميع، وستشكّل من أهل اخصاص ومستقلين، ثم يصرّح بأنها ستضم الجميع.. وإذا كان يؤثر عنه اعتداده المبالغ به بنفسه، لكن أن يقول ذلك والحال أنّ كلاً من «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«الاشتراكي» أعلنوا عدم المشاركة بالحكومة المنتظرة، فماذا بقي للقول أنها ستكون حكومة اللون الواحد، عرجاء تماماً كالتكليف الناقص!؟ هذا على تقدير أن دياب هو من سيشكّل، ولم تكن الحكومة جاهزة ومركبة قبل الاستشارات حتى، وسط معلومات ترجّح ظهورها خلال أقل من أسبوعين.
تأسيساً على ما ذكر، من التبسيط بمكان الرهان فقط على موقف أميركي متشدد تجاه عملية التكليف بحجة أن لبنان يعاني أزمة وفساداً سياسياً، تماماً كالقول بأن تكليف دياب حصل نتيجة تسوية أميركية – إيرانية (أغلب الظن أن قوى في السلطة وراء ترويج هذه المزاعم)، فصاحب هذه المقولات إما يتجاهل البراغماتية الأميركية من كل الأمور ومع كل الأطراف والاتجاهات والاعتبارات، أو يريد توريط الانتفاضة بهكذا رهان لإعادة وصمها مجدداً بتهم العمالة والارتهان للخارج كما درجت العادة.
فوكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير دايفيد هيل – ومن دون منة أحد – حدّد الموقف الأميركي من الحكومة العتيدة بـ«معايير» وربطه ببرنامجها السياسي والإصلاحي، وهو شدد على حكومة موثوقاً بها، ذات صدقية، قادرة على تنفيذ الإصلاحات، ترضي الشعب، وتوحي بالثقة للخارج.. وهذه المعايير وإن كانت تعكس بدقة تناسب سياسات واشنطن لناحية ربط الأمور بالنتائج التي ستترتب عليها أو الاكتفاء برسم خطوط عريضة تناسب مصالحها، إلا أنها وفق منطق التذاكي اللبنانية معايير «ممكنة وحبة مسك» لتعويم أي تركيبة، وهي معايير يرى طابخو حكومة دياب أنها لا تنطبق إلا عليهم! وفي «حراك 8 آذار» الذي يختبيء في جسم الانتفاضة وجوه عديدة يمكن استنفارها للمهمة.
هل ثمة من يصدق، داخلياً أو خارجياً، أن الطبقة الحاكمة (تحالف السلاح والفساد) ستسمح بتشكيل حكومة مستقلين من أهل الاخصاص والكفاءة والنزاهة والشفافية كما يطالب المجتمع الدولي، وبطبيعة الحال، الانتفاضة الشعبية؟
في الخلاصة، ما جرى خلال الأيام الأخيرة يعكس فهماً مغلوطاً، أو تغافلاً عن حقيقة الأزمة وطبيعة الخطوات الواجب اعتمادها للولوج إلى الحلّ الذي يرضي الناس، وتحتاجه دقّة المرحلة، وفي مقدمة ذلك مطالب الانتفاضة الشعبية الرئيسة وشعارها المغيّب «كلن يعني كلن»، بما يعني سحب الشرعية من التركيبة السلطوية التي تحكم البلد وأوصلته إلى حافة الافلاس والانهيار، وفوق ذلك إن ما جرى حمل الكثير الكثير من الأخطاء والتجاوزات، بحق المصلحة الوطنية وبحقق الانتفاضة الشعبية.
من نافل القول أن ردّ الساحات ليل الأحد مناسب، فقد أعاد تصويب البوصلة نسبياً، خصوصاً لناحية إعادة إحياء شعار «كلن يعني كلن»، لأن جوهر الأزمة ليس طائفياً أو مذهبياً أو شخصياً بل وطني بامتياز، وبالتالي فإن المطلوب هو تشكيل حكومة انتقالية تشرف على إجراء انتخابات نيابية مبكرة وتعمل على استعادة الأموال المنهوبة، يلي ذلك إعادة بناء سلطات تتمتع بشرعية شعبية ودستورية كاملة، وما عدا ذلك ألاعيبُ سلطة لا تريد أن تفهم أن الزمن تغير منذ 17 تشرين، ومتى تحققت هذه الأولويات يصحّ أن يقال إن الثورة في طريقها الصحيح.
أما بالنسبة للرئيس المكلف من قبل الثنائي، إذا كانت الاستقلالية والاختصاص التي تتحدث عنها على شاكلة «الحراك» الذي التقيته يوم الأحد، فالفراغ أفضل. ما حصل «جرصة» لا تليق بمبتدىء فضلاً عن بروفسور.