كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا يحسد حسّان دياب على موقفه. الرجل دخل نادي رؤساء الحكومات من باب أزمة اقتصادية – مالية استثنائية تضرب البلاد، بعدما كان خرج من باب وزارة التربية مثلما دخله، من دون أثر يُذكر. ولكن مدّة صموده في النادي، أشبه بورقة لوتو، إما يربحها بالكامل، وإما يرميها في سلّة المهملات. لا أنصاف انجازات في هذا المجال، أو أنصاف سقطات. قد يكون الفشل الكامل، أو الإنقاذ الشامل.
لن تكون ولاية دياب، في حال نجاحه في تأليف حكومة، كلاسيكية. هي الأصعب منذ قيام جمهورية الطائف، والأكثر كلفة. قد تكبده كل مستقبله السياسي إذا ما تحوّل رئيس حكومة تدير التفليسة لا أكثر. على الرغم من الإحاطة الإيجابية التي تركتها مواقف وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل، غير أنّه لا يزال على الحكومة المزمع تأليفها عبور اختبار المواقف الدولية حيالها، لا سيما وأنّ مهمة رئيسها ستكون شائكة وغير مجدية إذا لم تتم ملاقاتها إلى منتصف الطريق من جانب دول ومؤسسات داعمة. وهنا التحدي الأهم بعد تحدي القبول في الشارع.
ومع ذلك، لا يوفر رئيس الحكومة المكلف حسّان دياب فرصة إلا ويؤكد أنّه ليس في صدد التراجع. يقولها صراحة إنه لن يعتذر. وكأنه يستبق كل من سيحاول وضع العصي في دواليب مهمته المستحيلة. وهؤلاء ليسوا بقلة. الحواجز ستوضع بقرار لقوى داخلية نافذة، وأخرى خارجية قادرة على إحالته إلى التقاعد المبكر. أما داعموه فلن يكون بمقدورهم اجتراح العجائب إذا وقفت لهم الإرادة الدولية بالمرصاد وحالت دون تدفّق الأوكسيحين الإنقاذي إلى شرايين الاقتصاد الوطني والمالية العامة. فيما الشارع يبدو متردّداً وحائراً بين تلقف خطوة تسميته وتحويله إلى فرصة، والحكم مسبقاً على خيار محكوم عليه بالفشل.
أما حسّان دياب، فلا يبدو أنّه في وارد المساومة على قراره. للوهلة الأولى، ظنّ كثر أنّ الرجل قد يصاب لحظة الكشف عن “ورقته” بـ”فوبيا” الشارع أسوة بغيره من المرشحين الذين اعتذروا قبل تسميتهم تحت وطأة الزلزال الاعتراضي، وبالتالي لن يجرؤ على الوقوف على منبر التكليف وسيفضل العودة إلى الظلّ بعد أن يحسم قراره بالعزوف عن قبول تسميته.
لكنه اختار التحدي. حتى الآن، لا يوحي أنّه بصدد مراجعة خياراته مع أنّ الشارع السنّي كشّر عن أنيابه، وأظهر رفضاً شاملاً لوصول الوزير الأكاديمي إلى السراي الحكومي. لا بل سيطر الاحباط على أبناء الطائفة الذين راحوا يشتكون من ضرب الميثاقية بعرض الحائط حين دقت أبواب الطائفة. فجأة، انضمت شوارع العاصمة في مربّعاتها الزرقاء إلى ساحات الاعتراض، وصارت لها قواعدها الخاصة في التعبير عن رفضها لدخول دياب القصر الحكومي. وأخذت الاعتراضات منحى عنفياً في بعض الأوقات، منذرة بمزيد من التصعيد فيما لو ترك رئيس حكومة تصريف الأعمال الشارع على سجيّته من دون إبداء أي نيّة للتدخّل وتهدئته.
ومع ذلك، لم يبد رئيس الحكومة المكلف أي خشية من مواجهة “الآتي” الذي قد يكون “أعظم”. لا بل يتحضّر للمرحلة المقبلة بأعصاب حديدية وأكثر. يقول في مجالسه إنّ عائلة دياب من أصول يمنية، كانت تشارك في الفتوحات الاسلامية كقوات اقتحام تكلف بالمهمات الأمامية، مؤكداً أنّه لا يزال يمتلك تلك الجينات التي لن يتوانى عن استخدمها. ولذا لا خوف أبداً من مواجهة التحديات التي تنتظره.
ويؤكّد ملتقوه أنّ “معموديته” الأولى ستكون من خلال زيارة دار الافتاء للقاء سيّدها، مع العلم أنّ دياب الآتي من العالم الأكاديمي، الأميركي، غير الملتحم مع المنظومة الدينية، يدرك جيداً أنّ غطاء دار الفتوى ضروري للتخفيف من غضب الشارع وضغطه.
ويشيرون إلى أنّه حتى اللحظة، لم يطلب موعداً من المفتي عبد اللطيف دريان، وهو يفضّل أن ينهي المسار التأليفي ويرفع النقاب عن حكومته قبل أن يطلب موعداً من مفتي الجمهورية ليبنى على الشيء مقتضاه.
ولهذا يضع دياب كل جهده في سياق جوجلة الأسماء المرشحة لدخول حكومته لافتين إلى أنّ ما يتمّ تداوله من أسماء غير جدي، ولا يهدف سوى إلى تعطيل مهمته، وهي أصلاً مهمة صعبة، خصوصاً وأنّه يعرف جيداً أنّ مفتاح نجاح حكومته يكمن في قدرتها على اتخاذ قرارات غير شعبية، ولذا لا بدّ لها أن تحتمي بالصدقية والوقع الطيب لدى الناس، لكي تتمكن من تنفيذ قراراتها.