IMLebanon

رسالة إيرانية لمنع أي محاولة أميركية لتغيير القوى السياسية

كتب معروف الداعوق في “اللواء”:

«في ضوء كل ما رافق التكليف كيف ستكون الحكومة الجديدة بعد التأييد الحصري للقوى الموالية لإيران بإيصال رئيسها إلى رئاسة الحكومة؟»

لم تحصل عملية تكليف الدكتور حسان دياب بمهمة تشكيل الحكومة اللبنانية هكذا مصادفة بالتزامن مع وصول رئيس دائرة الشرق الوسط في وزارة الخارجة الأميركية ديفيد هيل كما يتراءى للبعض، بل كانت العملية مدبرة سلفاً لكي تفاجئ الديبلوماسي الأميركي الآتي إلى لبنان لاستكشاف الأوضاع على الأرض بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية واستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري بنتيجتها والاستفسار عن مسار الوضع السياسي جرّاء التجاذب الحاد حول عملية تشكيل الحكومة ونقل وجهة الإدارة الأميركية ومواقفها مما يجري والتأكيد على اهتمامها بمطالب المتظاهرين والحرص على حمايتهم ومنع أي محاولات من السلطة لقمعهم بالقوة أو التعدّي عليهم من قِبل الميليشيات التابعة لبعض الأطراف السياسيين كما حصل في بعض الأحيان.

وكان سبق وصول الموفد الأميركي عزوف الرئيس سعد الحريري عن الترشح لمنصب رئاسة الحكومة بعد سلسلة وقائع واحداث ومؤشرات سلبية، سياسية وأمنية سبقت موعد اجراء الاستشارات النيابية في بعبدا ومنها: إعلان رئيس «التيار العوني» الوزير جبران باسيل رفض التيار تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة وعدم مشاركته بالحكومة المرتقبة بسبب إصرار الرئيس الحريري ان تكون تركيبة الحكومة مؤلفة من اختصاصيين بالكامل وليست حكومة مختلطة مؤلفة من سياسيين واختصاصيين معاً كما يطالب «التيار الوطني» وحلفاؤه في «حزب الله» وحركة «امل».

تسعير حملات الرفض المنظمة لتولي الرئيس الحريري لمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، واستغلال بعض المشاركين في الحراك الشعبي والمندسين الجدد بينهم من الموالين للتيار واليساريين للتظاهر وإطلاق الشعارات والهتافات الرافضة لعودة الرئيس الحريري إلى سدة رئاسة الحكومة من جديد، بالتزامن مع تكثيف ملحوظ لسلسلة من أعمال الشغب والتعدي على الممتلكات الخاصة والمحلات في وسط مدينة بيروت طوال ليلتي يومي السبت والاحد قبيل موعد الاستشارات النيابية الملزمة من قبل مناصري حركة «امل» وحزب الله على حدّ سواء، في رسالة مزدوجة الأهداف، الأولى، ظاهرها استهداف المتظاهرين ومحاولة اخافتهم وتشتيتهم وحملهم على التراجع وتقليص مطالبهم إلى أدنى حدٍ ممكن والثانية وهي الأهم، ممارسة ضغوط استباقية على الحريري لارغامه على القبول بمطلب تشكيل حكومة مختلطة «تكنو-سياسية».

لم تقتصر الممارسات والوقائع عند هذا الحد، بل تفاعلت الأمور أكثر من ذلك بعد ورود أنباء منقولة عن رئيس الجمهورية ميشال عون برفضه التعاون مع الرئيس الحريري، ولو تمّ تكليفه بمهام تشكيل الحكومة الجديدة وما قيل أكثر من ذلك بأنه لن يوقع على أي تشكيلة حكومية يقدمها له جرّاء رفض الأخير تشكيل حكومة مختلطة يكون فيها صهره جبران باسيل وزيراً فيها، وهي اخبار لم يتم نفيها، بل تكرر نشرها في معظم وسائل الإعلام.

وأخيراً، اتى موقف تكتل حزب «القوات اللبنانية» الرافض لتسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة لكي يضع حدا وينهي دوّامة اللف والدوران ووضع العصي بدواليب عملية تكليف الحريري مجدداً، ويؤدي إلى إعلان عزوفه عن قبول تسميته لتشكيل الحكومة العتيدة ومفسحاً المجال امام غيره من الشخصيات المؤهلة لتولي هذه المهمة المثقلة بالتحديات الصعبة والمسؤولية الكبيرة.

وبالرغم من التجاذب الذي كان يحيط بالمشهد السياسي والتعقيدات الكبيرة التي تركها عزوف الرئيس الحريري عن الترشح لرئاسة الحكومة، وبسرعة وعلى عجل، تمت ضبضبة الأمور بسرعة، من قبل «حزب الله» وحلفائه وكان اسم د. حسان دياب جاهزاً مع كل ملحقاته ليطرح على التسمية لتولي مهمات تشكيل الحكومة الجديدة، وظهر بوضوح للعامة ان ما كان يطرح في العلن من تأييد ظاهري لعودة الحريري لترؤس الحكومة الجديدة من قبل حركة «امل» وحزب الله، كان المقصود منه القبول بشروطهما، إن بالتركيبة الحكومية أو بسياسة الحكومة الجديدة ولكن في المقابل كانت جميع الممارسات والعقد توزع بإحكام لعرقلة مساعي التكليف ولو ان موقف كتلة «القوات» الذي أدى بالنهاية إلى عزوف الحريري عن مهمة الترشح لتشكيل الحكومة هكذا بدا المشهد السياسي ظاهرياً لدى وصول الموفد الأميركي إلى بيروت الأسبوع الماضي، القوى الدائرة في فلك «حزب الله» وتحديداً حركة «أمل» و«التيار العوني» هي التي سمت رئيس الحكومة المكلف حسان دياب لتأليف الحكومة الجديدة، فيما باقي القوى الأخرى كانت خارج التسمية، رفضاً أو انكفاءً والنتيجة النهائية ان القوى السياسية المؤيدة، هي من لون واحد، وهو اللون المنخرط في دعم وتأييد سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، مقابل رفض كامل من القوى السياسية الأخرى الرافضة لهذه السياسة والمؤيدة لسياسة النأي بالنفس ورفض الانخراط في سياسة المحاور والتحالفات الإقليمية والدولية والمؤدية للانتفاح على الدول العربية وتحديداً الخليجية منها، وعلى دول الغرب عموماً، بما يحقق مصالح الشعب اللبناني دون سواه.

ولا شك ان تزامن تسمية رئيس الحكومة المكلف بهذه العجلة مع وصول دايفيد هيل إلى لبنان، يُشكّل رسالة إيرانية فاقعة للادارة الأميركية وفحواها ان موازين القوى السياسية هي في ايدي الجهات التي تدور في فلك السياسة الإيرانية، في حين ان محاولات الولايات المتحدة الأميركية للتأثير على الواقع السياسي الداخلي من خلال القوى السياسية الصديقة أو المؤيدة لها أو من خلال دعمها العلني لمسار التظاهرات الشعبية، يبقى محدوداً وغير ذي فاعلية مؤثرة في الواقع السياسي اللبناني.

في ضوء هذا الواقع، كيف ستكون الحكومة الجديدة بعد التأييد الحصري للقوى الموالية لإيران بإيصال رئيسها إلى سدة رئاسة الحكومة ورفض كافة القوى الأخرى تأييده؟

سؤال مطروح بقوة على كل الألسنة بعد النقمة العارمة للشارع السني والتي لم تراعَ فيها مقتضيات الميثاقية التي اعتمدت في انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي؟

هل تكفي تطمينات الرئيس المكلف أو الايحاء بأنه مستقل ليرضى عنه أميركياً أو عربياً، باعتباره يأتي من ضمن تركيبة الجامعة الأميركية في بيروت لتبديد هذه الاعتراضات التي تكبر يوماً بعد يوم ويتمكن من المواءمة بين القوى التي ايدت وصوله وتبديد مؤثراتها وتبعيتها لإيران، ويستطيع العمل كما يقول لمصلحة إخراج لبنان من ازمته الصعبة والمعقدة بكل المقاييس، لا سيما وان مسببات هذه الأزمة هي حكومة اللون الواحد التي فرضها «حزب الله» و«النظام السوري» على لبنان في العام 2010 وكان الرئيس المكلف وزيراً فيها، وتسبب تشكيلها يومذاك بتداعيات سلبية كبيرة على لبنان جرّاء ضمه لسياسة المحور الإيراني – السوري قسراً وما تبع ذلك من بداية لعزل لبنان عن محيطه العربي والعديد من دول العالم، وما زالت مؤثرات سياسة هذه الحكومة مستمرة حتى اليوم ويخشى معها ان تكون مفاعيل حكومة اللون الواحد الجديدة هي ذاتها بالرغم من كل المساحيق التجميلية لإخفائها.