كتب محمد نمر في “نداء الوطن”:
ليس غريباً على اللبنانيين أن ترحّب إيران بتكليف حسان دياب تشكيل الحكومة، طالما أن من سموه يعتبرهم اللواء قاسم سليماني “نواب حزب الله”، وفي الوقت الذي تحرص فيه السعودية على التزام سياستها بعدم التدخل في شؤون لبنان، كانت غرف سوداء تعمل على دق عنق العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والسعودية ورئيس “القوات” سمير جعجع، وتُوّجت باكورة هذه الغرفة بتصريح لمستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يزعم فيه أن “التظاهرات بعد تكليف دياب تتم بتحريض من السعودية وإسرائيل” (روسيا اليوم).
الاتهام الذي أطلقه ولايتي يُعتبر باكورة عمل الغرفة نفسها التي روّجت لشائعتين سابقتين، الأولى نفاها جعجع نفسه، وكانت تزعم أن مدير المخابرات السعودي خالد الحميدان اتصل بجعجع وطلب منه عدم تسمية الحريري في الاستشارات، والثانية تم زرعها عبر منابر قوى “8 آذار” الإعلامية للترويج بأن السعودية رفعت الغطاء عن الحريري. وهي شائعات تقوم على معادلة “اتحاد جبهات إيران يقتضي تهديم الجبهات الأخرى”.
ويكرر مصدر موثوق نفي الشائعتين “جملة وتفصيلاً”، ويقول: “لو أرادت المملكة أن تنفي ما يرد عبر وسائل الإعلام لكانت وظفت شخصاً ليصدر بيانات النفي يومياً”، مضيفاً: “لا تتدخل السعودية بالشأن اللبناني”، ويؤكد أن “العلاقة مع الشيخ سعد الحريري لا تشوبها أي شائبة وجذورها قوية وكل ما يحكى بعكس ذلك فهو كذب وافتراء”.
لا شك أن الشارع السني يحتاج إلى موقف سعودي واضح، فضلاً عن حاجته إلى مواقف واضحة من الحريري تجاه دياب، بدأت تترجم بالأمس بتأكيد من النائب سمير الجسر أن “المستقبل في المعارضة”، وبدعوة من الأمين العام لـ”المستقبل” أحمد الحريري بالحرص على سلمية التظاهرات، فضلاً عن الجبهة الواضحة التي فتحها “المستقبل” على رئيس الجمهورية عبر النائب محمد الحجار بتغريدة اعتبر فيها أن رئيس الجمهورية “وصل بالتكسير والتعطيل”. وسبق ذلك افتتاح باكر للمعركة من قبل النائب نهاد المشنوق بمطالبته دياب بالاعتذار، لكن ماذا عن السعودية؟
نجحت المملكة في اعتماد سياسة “الصمت الذكي” تجاه ما يجري، ومن يراقب حركة سفيرها وليد بخاري يلحظ أنه جمّد لقاءاته ونشاطاته منذ 17 تشرين، ولم تخرج السعودية بأي بيان رسمي يتعلق بالشأن الحكومي، ولم يسجل دخول أي موفد إلى لبنان منذ انطلاق الثورة بعدما كانت الحركة ناشطة في الفترة الأخيرة، وكل ذلك “حرصاً على عدم التدخل بشؤون اللبنانيين”.
ومن يريد أن “يحلل” الموقف السعودي لا يمكن أن يضعه في اطار التنبؤات، بل يمكن وضع مجموعة أسئلة وانتظار الاجابات عنها في الفترة المقبلة: هل ستدعو السعودية دياب لزيارتها؟ كان من المفترض أن تتوجه لجنة وزارية إلى الرياض برئاسة الحريري لتوقيع مشاريع مشتركة، فهل ستتم برئاسة دياب؟ هل سيزور المستشار الملكي نزار العلولا لبنان قريباً؟ الأكيد حتى اللحظة أن السعودية لم تبارك ولم ترحب بتكليف دياب، وعلى الأرجح لن تبارك بالتكليف بانتظار مسار التأليف، لكن في الوقت نفسه، يجب العودة إلى سياسة السعودية في التعاطي مع انقلاب العام 2011، فحينها لم تصدر أي بيان لكن سجل اللبنانيون عدم دعوة الرئيس نجيب ميقاتي الى الرياض، في المقابل كانت زيارة الحريري آنذاك أشبه بزيارة “رئيس الحكومة الحقيقي” فهل يتكرر المشهد وسط معلومات عن زيارة قريبة للأخير إلى المملكة؟
وأخيراً، ومن خارج السرب، هبط على اللبنانيين المدعو فهد الركف زاعماً أنه إعلامي ومتخصص بالشأن اللبناني، وعرّف عنه الإعلام بأنه متخصص بالملف اللبناني في وزارة الداخلية، أطلق مواقف تغازل حال السنّة في لبنان وتشبع رغباتهم، ليتضح في ما بعد أن “لا صفة رسمية للرجل” وليس إعلامياً وكل ما قاله هو تعبير عن رأيه الشخصي.
وفق المصدر نفسه فإن “الموقف الرسمي للمملكة يكون عبر سفارتها أو وزارة خارجيتها أو الديوان الملكي”. ويبدو أن السعودية اليوم تلتزم صفة “المراقب”، وجل ما يمكن أن يؤكده المصدر أن “المملكة إلى جانب الشعب اللبناني ومطالبه”.