Site icon IMLebanon

في عز التدهور الاقتصادي.. مجموعات تعتمد الدعم المباشر والفعال

كتبت سناء الجاك في “الشرق الأوسط”:

تزامنت انتفاضة اللبنانيين احتجاجاً على التدهور الاقتصادي المتفاقم والمتصاعد، مع مبادرات تهدف إلى مساعدة المحتاجين بعيداً عن الاستعراضات الإعلامية المعهودة لجمعيات أنشأها بغالبيتها زوجات السياسيين خدمة لمصالحهم الخاصة وزيادة شعبيتهم، وتستفيد من موارد الدولة لتمويل نفسها أو لسرقة المال العام.

وتحفل وسائل التواصل الاجتماعي هذه الفترة بمجموعات تعتمد العمل المباشر والفعال، منها مجموعة تضم الأطباء والصيادلة، هدفها توفير المعاينة والعلاج والدواء لمن يحتاج إليها ويعجز عن دفع تكاليفها. مجموعة أخرى حرصت على إرساء مبدأ المقايضة بين اللبنانيين، بحيث يتم تبادل السلع من دون المرور بالإجراءات المالية، فالمزارع يبادل منتجاته مع من لديه سلع يحتاج إليها. كذلك بدأ التركيز لتشجيع المستهلكين على شراء المنتجات اللبنانية حصراً، والاستغناء عن السلع المستوردة. وخصصت مواقع إلكترونية صفحاتها لتعريف اللبنانيين بمؤسسات صغيرة تؤمّن سلعاً غذائية وملابس ومواد تنظيف بأسعار أقل كلفة مما يجدونه في الأسواق. بالإضافة إلى أرقام هواتف وعناوين أفراد، إما يصنعون هدايا لمناسبة الأعياد أو يعدون الأطباق والحلوى لهذه المناسبة، ودائماً بأسعار متدنية قياساً لما يباع في المتاجر الكبرى المتخصصة في هذا المجال. ونجحت هذه المبادرات في توفير حركة بيع وشراء بين المتابعين الذين استطاعوا بيع منتجاتهم المصنوعة منزلياً، من خلال المنشورات على الصفحات الإلكترونية؛ ما أجبر بعض الشركات المشهورة في هذا القطاع على تقديم حسومات تصل إلى 50 في المائة أحياناً.

والتكافل الاجتماعي بين اللبنانيين لم يبدأ مع الحراك الشعبي، لكن دوره برز أكثر لتزامنه مع الأزمة المالية والبطالة التي أطاحت حتى اليوم بعشرات آلاف العمال والموظفين، ووصلت حاجة بعض العائلات إلى حليب لأطفالها، في حين عجزت عائلات أخرى عن الاهتمام بأفرادها العاجزين أو ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يجدون مؤسسات رسمية تشملهم برعايتها أسوة بما يحصل في الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها.

«بيتنا» هي إحدى الجمعيات التي تجهد للتعويض عن تقصير الدولة. بمبادرة من لوريس ليشع، التي أسست الجمعية مع زوجها ومجموعة من الناشطين والأطباء. وتقول لوريس لـ«الشرق الأوسط»، إنها وزوجها قررا ترك منزلهما الأصلي بعد الحصول على أرض هبةً من مطرانية بيروت، أنشآ عليها بناءين من التبرعات والمساعدات، أحدهما للإقامة، والآخر حولاه إلى مشغل، واحتضنا أشخاصاً لديهم إعاقات عقلية فقدوا أهلهم، ولا معيل لديهم ويعيشون أوضاعاً حياتية صعبة.

لوريس تطلق على من تهتم بهم صفة «الأطفال» مع أن أعمارهم تتراوح بين 38 و62 عاماً. وتضيف أنهم «عندما جاءوا إلى (بيتنا) لم يكونوا يجيدون حتى تناول الطعام بفردهم أو الاستحمام، أما اليوم، وبعد خمس سنوات، أصبحوا قادرين على تدبير أمورهم؛ وذلك بمساعدة المجموعة، بالإضافة إلى نخبة من أطباء الصحة والنفس والأعصاب يعتنون بهم ويعاينوهم على الدوام ويتبرعون بوقتهم للجمعية».

وتشير إلى أن الجمعية تحولت إلى عائلة متكافلة تهتم ببعضها بعضاً، وليست مؤسسة يؤدي من فيها عمله وينصرف؛ فالعاملون يقيمون مع هؤلاء النزلاء. ويدربونهم ليصبحوا قادرين على القيام ببعض الأعمال، سواء في المطبخ، حيث مجموعة من السيدات يعددن الطعام والحلوى للبيع، أو كعمال حرفيين، يحيكون البسط وبعض الصناعات الأخرى الخفيفة.

كذلك يهتم «بيتنا» بتدريب «أطفاله على الزراعة، ويفرح هؤلاء عندما يأكلون ما زرعوه من خضراوات، ويشعرون بأنهم منتجون. أقيم معهم منذ خمس سنوات وأشعر بسعادة أكثر مما كنت سابقاً في بيتي مع أولادي طوال 42 عاماً».

وتشدد على أن «التكافل الاجتماعي لا يعوض عن غياب الدولة، التي يفترض أن تقوم بواجباتها. فالحاجة إلى الاهتمام بمثل هؤلاء الأشخاص في المجتمع اللبناني تفوق قدرة أي جمعية على تلبيتها».

«ضروري مدفأة لعائلة في منطقة جبيل». جملة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى السعي لتأمين مساعدات عينية ومالية لعائلات محتاجة، وصولاً إلى توزيع المواد الغذائية المختلفة. هذا عدا الدعوات لوجبات طعام مجانية جاهزة للعائلات المحتاجة خوفاً من الجوع.

وتقول النائبة بولا يعقوبيان التي أطلقت حملة «دفى» قبل سنوات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «لبنان قائم على المبادرات، وعلى مساعدة اللبنانيين بعضهم بعضاً، منذ الحرب الأهلية». وتضيف: «حملة (دفى) انتقلت كلياً إلى الغذاء؛ لأن الخوف هذا العام، هو على الأمن الغذائي للبنانيين، مع الأزمات المالية الحادة التي يعيشونها، ومع البطالة وعدم توفر فرص العمل. لذا؛ أصبح هدفي تأمين الغذاء. وقد وزعنا عشرات الآلاف من الحصص. ولم يعد يقتصر عملنا على المواسم، فالحملة مستمرة ومفتوحة لأن الحاجة تتزايد. وقد نظمنا أمورنا لتأمين وصول الحصص الغذائية من متبرعين خارج لبنان، مع الإشارة إلى أننا، ومنذ قيام الحملة، نرفض قبول مساعدات مالية».

والفقر كذلك دفع غالبية محطات التلفزة إلى فتح شاشاتها لتسليط الضوء على حالات مأساوية، إنْ لجهة العوز أو لجهة المرض، وتأمين المساعدات من المتبرعين، الذين على ما يبدو، يتجاوبون، ويساهمون كل حسب قدرته. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات عن نسبة الفقر في لبنان، تشير يعقوبيان إلى أن «مؤشرات المعاناة الاجتماعية تدل على أن نسبة الفقر تقارب 50 في المائة. فالأزمة متفاقمة ولا أرقام لترشيد العمل الاجتماعي. ولا رؤية للخروج من هذه الأزمة بوجود الأحزاب السياسية ذاتها في السلطة. لذا المطلوب أن يبقى اللبنانيون في الشارع ليضغطوا على الطبقة السياسية حتى يرغموها على التغيير. فقد أوضحت التجربة أن التغيير لا يحصل إلا بالإكراه. وبالانتظار، يبتكر اللبنانيون وسائل التعاضد ليتساعدوا فيما بينهم».

جمعية «أشغالنا» بدورها، تعتمد طريقة أخرى للتكافل الاجتماعي، عنوانها «تمكين المرأة» بعد تأهيلها مهنياً لتصبح مستقلة مادياً وقادرة على الاهتمام بأولادها، كما تقول إحدى العضوات، فدا عطار، لـ«الشرق الأوسط». وتضيف أن «الجمعية تهتم منذ ثلاثين عاماً بالسيدات اللواتي فقدن المعيل، بعد درس أوضاعهن الاجتماعية. بعد ذلك، تبدأ تأهيلهن مهنياً في الأشغال اليدوية والخياطة والطهو، بحيث يستطعن العمل في منازلهن والعناية بأولادهن. ومن ثم يحصلن على رواتب شهرية وتأمين صحي ومساعدات مدرسية وتوفير الأدوية مجاناً عند اللزوم».

و«أشغالنا» تمول نفسها من إنتاجها، ولا يقتصر بيع هذا الإنتاج على لبنان، بل يصل إلى عائلات في السعودية والإمارات والكويت، وغيرها من دول الخليج. كذلك تقيم مآدب غداء يعود ريعها إلى تمويل الجمعية، بالإضافة إلى الهبات والزكاة. وتؤكد عطار على «مهارة سيدات الجمعية في التوفير وتدوير الزوايا وتخطي الأزمات، وتحديداً مع الضغوط الحالية التي يعيشها اللبنانيون، فالطلبات على منتجاتنا تتدنى، والموارد كذلك، وإجراءات المصارف تزيد من هذه الضغوط؛ لأنها تعطينا أموالنا بالقطّارة على رغم التزامنا بتأمين الرواتب الشهرية للأرامل العاملات لدينا». وتشير إلى أن «التكافل الاجتماعي لا يلغي الحاجة إلى الدولة. فما نقدمه لا يكفي للحد الأدنى من مستلزمات الحياة لجهة إيجار المنازل والفواتير الشهرية للعائلات في لبنان».