كتب ناصر زيدان في “الأنباء”:
لم يكن ينقص حالة التوتر الكبيرة التي يعيشها لبنان، الازدواجية الشاملة التي تعتمدها غالبية القوى السياسية الرسمية والشعبية في تعاطيها مع الأزمة القائمة.
وهذه الازدواجية أثارت قلقا واسعا لدى المواطنين، لأنها تنم عن تناقض في المواقف، أو عدم وضوح يخفي نوايا غير معلنة، كما تؤشر الى خطورة المنحى الذي تسير عليه الأوضاع المالية والاقتصادية، وسط غابة من التوقعات والتحليلات المخيفة، والتي غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن الواقع.
فريق رئيس الجمهورية يمارس ازدواجية في تعاطيه مع الوضع، فهؤلاء ـ وفي مقدمتهم الوزير جبران باسيل ـ أعلنوا تأييدهم لمطالب الثورة الشعبية في العلن، ولكنهم لا يأخذون بهذه المطالب، ويتصرفون كأن الاعتراضات الشعبية حراك تفصيلي يتلاشى مع الوقت.
وفي بعض تغريدات لشخصيات من هذا الفريق شكل من أشكال الانفصام السياسي، بحيث يتصورن أن فريقهم غير معني بالاتهامات التي يرفعها المتظاهرون، وفي الحقيقة فإنها موجهة ضدهم في الدرجة الأولى.
وهذا الفريق اعترض بقوة على حكومة تكنوقراط كان ينوي تشكيلها الرئيس سعد الحريري، بينما موقفهم مؤيد لمثل هذه الحكومة مع الرئيس المكلف حسان دياب، مما سلط الضوء على فخ سياسي وقع فيه الحريري لإخراجه من حلبة المنافسة.
قوى 8 آذار وفي مقدمتها حزب الله، تعلن مواقف مؤيدة لمطالب الثورة، ولكن مناصري هذه القوى يمارسون تنكيلا ميدانيا وإعلاميا بحق الثوار ورموزهم.
وهي تتهم الثوار وداعميهم بالارتباط بمخطط أميركي وخارجي، وعلى النقيض من ذلك فهي تلهث وراء أي إشارات أميركية مهادنة، أو غير ممانعة لخيارهم بتكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة، وازدواجية تعاطيهم في هذا الموضوع، أثار خشية شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يعتبرون ما حصل بمنزلة تقزيم لدور رئاسة الحكومة التي تتساوى في أهميتها الميثاقية مع رئاسة الجمهورية ومع رئاسة البرلمان.
والرئيس المستقيل سعد الحريري ساهم بشكل كبير في صناعة الأجواء المقلقة، لأنه هادن بشكل واضح عملية اختيار دياب، بل إنه ساعد في إتمام العملية وفقا لرأي اوساط محايدة، بينما جمهور مؤيديه يعترض بقوة على ما جرى ويقطع الطرقات احتجاجا، ويرى فيما حصل تجاوزا للأعراف وتهميشا لدور الطائفة السنية.
هذا التناقض الهائل، ساعد في زيادة منسوب القلق من وجود قطبة مخفية لتبادل المنافع، او لربط صداقة مع الحكومة الجديدة لحماية بعض المرتكبين، او أن الخط الذي كان يمثله الحريري قد أعترف بالهزيمة الكاملة.
وتنسحب الازدواجية المخيفة على الأدوار الخارجية المعنية بما يجري في لبنان. فعلى سبيل المثال: اعتبر وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل أن بلاده غير معنية بتشكيل الحكومة، وهي ترصد الأفعال، في مهادنة واضحة لوجهة نظر قوى 8 آذار، بينما يرى وليد فارس المستشار الانتخابي للرئيس الأميركي: أن الكلام عن وجود صفقة مع حزب الله لتسهيل تأليف حكومة مؤيدة له في لبنان نوع من الهذيان السياسي غير الصحيح.
وما يزيد القلق أكثر فأكثر الخوف الذي بدأ يتسرب عند شرائح شعبية واسعة عن ازدواجية في صفوف بعض الناشطين في الانتفاضة، بحيث حاور القليل منهم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، بينما رفضت مقابلته الأغلبية الساحقة، كما أن تصرفات عدد من المحسوبين على الثورة تثير الريبة، لأن مواقفهم بدت متوترة وفيها شيء من الهرولة وراء كسب بعض المناصب، وهم يمارسون تشهيرا بخلفيات حزبية انتقامية حتى ضد المؤيدين للثورة.