IMLebanon

هل استسلم لبنان؟

تُخَيِّمُ على استراحة أعياد الميلاد ورأس السنة في بيروت، أجواء مأسوية لم تعرفها البلاد في عزّ أزمات وحروب سابقة… فالمأزق السياسي الذي أصاب السلطة بتصدّعات قاسية مع انفجار الصراع بين اللاعبين المحليين وما ينطوي عليه من أبعاد إقليمية يشي بأن تشكيل الحكومة الجديدة، الملتبسة الهوية، لن يكون «نزهةً»، والصداعُ الاجتماعي – المعيشي يزداد استفحالاً على وهج الانهيار المالي – الاقتصادي وما يرافقه من أرقام مخيفة عن البطالة والفقر والعوز، أما «الثورة البيضاء» التي أصابها الخفوت في شهرها الثالث، فمرشَّحة لاندفاعةٍ جديدة مع انكشاف مناورةِ السلطة في معاودة إنتاج حكومة بمعايير قديمة.

ورغم «البساط الأبيض» الذي حملتْه «لولو»، وهي أول عاصفة فعلية يشهدها لبنان هذه السنة، فقد شكلت «السودوية» العلامةَ الفارقة التي طبعتْ يوميات اللبنانيين في موسم الأعياد مع تَزايُد المخاوف من ملاقاة الـ2020 بأوضاع أكثر كارثية في ظل توالي التحذيرات من مجاعة، وإطلاق برامج مناطقية للتحوّط والتهافت على تخزين السلع الضرورية، وسط توقّعاتٍ بلجوء المصارف إلى تقنينٍ أكثر شراسة لسحوباتِ المودعين والعجز المحتمل عن تأمين استيراد الدولة للمواد الإستراتيجية، في وقت تتزايد مؤشرات أن السلطة تمضي وكأنها في «لا لا لاند» وتمارس اللعبة السياسية «وفق المعتاد» وتتباطأ في اجتراح الحلول رغم اشتراط الدول المانحة قيام حكومة تلتزم «إصلاحات هادفة ومستدامة وتعمل على تنفيذها» للإفراج عن أي مساعدات للبنان كتلك التي أقرّها مؤتمر «سيدر» وسواها.

ورغم «المهادَنة المبدئية» التي قابَل بها الداخل والخارج على السواء تكليف الأكثرية البرلمانية (تحالف فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي، أي «حزب الله» وحركة «أمل») حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، فإن الوقائع تؤشر إلى تضاؤل إمكان ولادتها في وقت قريب، وسط ملامح معارضة آخذة بالتبلور من شأنها تصعيب عملية الإفراج الوشيك عنها، خصوصاً مع تَزايُد انكشاف «العامل الإقليمي» الحاضر في المَقاعد الخلفية للصراع بين أطراف الائتلاف الحاكم ومع الشارع المتمرّد منذ أكثر من شهرين.
فالأوساط السياسية التي ترجّح احتمال بروز مصاعب تؤخر تشكيل الحكومة، رأتْ أنه رغم طابع «اللون الواحد» الذي جاء بدياب، فإن تَمايُزاتٍ برزت بعد تكليفه تناولت طبيعة الحكومة ومكوّناتها، ولعل الأبرز في هذا السياق:

سعي فريق عون إلى قيام حكومة اختصاصيين (تكنوقراط) تعيّنهم القوى السياسية التي جاءت برئيسها من خارج نادي رؤساء الحكومات وعبر لعب ورقة الأكثرية في البرلمان.

حرص «الثنائي الشيعي» على نزْع «اللون الواحد» عن تشكيلةٍ سيتم التعاطي معها على أنها «حكومة مواجهة»، وذلك عبر إقناع القوى التي لم تسمّ دياب بالمشاركة في الحكومة لتأمين «شبكة أمان» لها، أو الذهاب إلى صيغة تكنو – سياسية لضمان استمرار تمثيل «حزب الله» ذات المغزى الإستراتيجي في الحكومة.

محاولة الرئيس المكلف حماية «مجازفته» عبر إعلان رغبته بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين لأن من شأن ذلك الحد من اعتراض بيئته السنية «الناقمة» وكسْب ودّ المجتمع الدولي الذي حدد مواصفات الحكومة التي يمكن أن تكون شريكة للدول المانحة والمؤسسات الدولية.

هذه التباينات المبكرة بين الأطراف التي أعلنت «أبوّتها» لدياب وحكومته المحتملة عكستْ إرباكاً من شأنه إفقاد هذا التطور زخمه واستهلاك الفرصة التي أعطيت له، وتالياً تَزايُد مَظاهر الاعتراض التي يشكلها استنكاف قوى سياسية عن المشاركة مثل «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي».

ولم تكن المواقف الحاسمة التي أعلنها رئيس الحكومة المستقيل زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الذي رأى أن الحكومة التي يتم تشكيلها ستكون «حكومة جبران باسيل» سوى مؤشر على المهمة الصعبة التي تنتظر دياب الذي يجد نفسه محاصَراً وسط معركة قاسية لها أثمان ثقيلة بين عون وفريقه من جهة والزعيم السني الأبرز، أي الحريري.