Site icon IMLebanon

عملية التأليف كـ ”السهل الممتنع”.. ودياب يُفاقم عُزلة الشارع السُني!

كتبت رلى موفق في جريدة اللواء:

تذهب المخيلات في نسج «سيناريوهات» أقرب ما تكون إلى أفلام «هوليود». في الواقع أن الماكينة السياسية والإعلامية لمحور 8 آذار خلاقة في ابتداع الروايات. فقبل أن يحط وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية الرحال في بيروت، روَّجت ماكينة «المحور الإيراني» أنه آتٍ برسالة واضحة «إما تكليف السفير السابق نواف سلام تشكيل الحكومة وإما الفوضى» في استحضار لـلجملة الشهيرة «إما مخايل الضاهر أو الفوضى» التي أطلقها المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي عشية الانتخابات الرئاسية عام 1988. وأكملوا الحبكة بأن الذهاب إلى خيار حسان دياب كان هدفه قطع الطريق على الموفد الأميركي وإسقاط ما في يده.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد أن أجرى محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، خرجت الماكينة ذاتها لتقول إن هيل لم يُظهر أي انزعاج من تكليف دياب. ووصل الاستنتاج في التحليلات بأن واشنطن وحلفاءها عازمون على مساعدة لبنان إذا التزم بالشروط التي تعهَّد بها عشية مؤتمر «سيدر»، من دون أن يكون لإبعاد سعد الحريري تأثير سلبي، وبأن كل ما طلبه هو العمل على تشكيل حكومة تلقى قبول المجتمع الدولي. فهذا هو «السهل الممتنع».

وبعد، ذهبت ماكينة «المحور» إلى الترويج بأن هيل يأتي بمهمة ضغط على لبنان للقبول بترسيم الحدود البحرية مع «إسرائيل» والقبول بما  يُعرف بـ«خط هوف». ولاقاه، عشية وصوله، القيادي في حزب الله النائب محمد رعد بخطاب عالي النبرة، حيث قال: «يأتي الأميركي وغير الأميركي(…) ولن نسمح لأحد بأن يسلبنا غازنا الموجود في مياهنا الإقليمية ولو كان الاختلاف على 5 سم. ويريد الأميركي سلبنا 862 كيلومتراً مربعاً إرضاء لإسرائيل».

وحين تبين أن هيل لم يطرح هذا الملف، نسجت المخيلات الوافرة الإبداع روايتها بأن تكليف دياب قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي غيّر في أولويات الزائر، وأبقى في حقيبته ملف ترسيم الحدود والبلوكات النفطية في المنطقة الحدودية، ليركز في محادثاته فقط على تشكيل الحكومة والإصلاحات المطلوبة من الدولة اللبنانية. في الواقع، فأنه على عكس ما كانت أشاعته ماكينة «المحور»، فإن رئيس الجمهورية هو من تناول ملف الترسيم، بطلبه من الولايات المتحدة تجديد مساعيها لإقناع إسرائيل بالالتزام بترسيم الحدود البحرية بهدف تثبيت الهدوء والاستقرار في جنوب لبنان.

في مقابل «ماكينة المحور» ولعبة الحرب النفسية ورفع المعنويات، يبقى السؤال المطروح يتعلق بما هدفت إليه زيارة الموفد الأميركي، وأي استنتاجات خرج بها؟

ما نقله خلال لقائه، أعلنه على الملأ بأنه حث القادة السياسيين على الالتزام بإجراء إصلاحات هادفة ومستدامة يمكنها أن تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن، وأن الوقت حان لترك المصالح الحزبية جانباً والعمل من أجل المصلحة الوطنية ودفع عجلة الإصلاحات وتشكيل حكومة تلتزم وقادرة على إجراء تلك الإصلاحات. وليس لدينا أي دور في قول مَن الذي ينبغي أن يتولى رئاسة الحكومة وتشكيلها، أو بالأحرى أي حكومة.

بيت القصيد هو أن المطلوب واضح لا يرقى إلى اجتهاد في التفسير. ولكن هل هذا ممكن تحقيقه، فيما العقلية المتحكمة بأداء الأكثرية، والتي جاءت بالرئيس المكلف، لا تُعبّر عن فهم جديد لكيفية ممارساتها السلطة، وعن رغبة في التنازل عن مكتسبات في «جنة الحكم والمحاصصة» تراها حقاً أوكله لها الشعب في صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية الأخيرة، فيما أصيبت تلك الوكالة في صدقية تمثيلها بعد «ثورة 17 تشرين» التي طالبت بتغيير الطبقة السياسية بتبني شعار «كلن يعني كلن».

وفي معطيات من التقاهم هيل، تبدو الصورة مغايرة لما تعتقده قوى 8 آذار. بدا الموفد الأميركي مرتاحاً لخطوة الأكثرية النيابية في تسمية دياب الذي قدمه الإعلام الغربي على أنه مدعوم من «حزب الله». ومرد الارتياح لا ينطلق من بروز حلحلة ما على مستوى المواجهة الأميركية – الإيرانية ترجمت في الساحة اللبنانية التي يرغب منظرو «حزب الله» على اعتبارها ساحة تشابك لا اشتباك، وميدان ترجمة رسائل «حسن النوايا»، إنما ينطلق الارتياح من نقاوة المشهد. فالدور الذي كانت القوى السياسية المحسوبة على الولايات المتحدة الأميركية ودول الاعتدال العربي تلعبه في توفيرها الغطاء السياسي لـ«حزب الله» تحت اعتبارات شتى، ما عاد متوفراً الآن، الأمر الذي يضع الحكومة العتيدة في وضعية انكشاف كليّ مع المجتمع الدولي ولا سيما مع الولايات المتحدة. وهذا بالتالي يُسهل عليها مهمة مواجهة «حزب الله».

فواشنطن لا تزال ماضية في سياسة محاصرة «حزب الله» بوصفه أحد الأذرع الرئيسية لإيران. وستستمر في فرض عقوبات عليه وعلى من يتعامل معه من أفراد وكيانات. ولن تتوانى عن توسيع رقعة استهدافها لتطال حلفاءه حين يقدمون له المساعدة على الالتفاف أو خرق العقوبات. وستصبح الأمور أكثر تعقيداً على حلفاء سوريا – إيران، بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب «قانون قيصر» الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الأميركي، والذي يفرض عقوبات وقيوداً على من يقدمون الدعم لأفراد النظام السوري، وإيران وروسيا عن جرائم الحرب التي ارتكبت في سوريا.

ولا يتوقع أن يكون المشهد أكثر انفراجاً في المدى المنظور، مع اشتداد الضغوط على إيران اقتصادياً ومالياً، وتعرّض ساحات نفوذها إلى اهتزازات متتالية سواء في العراق مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية، التي تصيب حلفاءها المباشرين في السلطة، أو في لبنان مع ارتقاب تصعيد جديد في الحركة الاحتجاجية في ظل تنامي الأزمة الاقتصادية وغياب أي أفق للحلول، وتزايد إقفال المؤسسات وصرف الموظفين، وتمادي المصارف في التحكم بأموال المودعين وإذلال الناس الكفيلة وحدها بإعادة تأجيج الشارع، في وقت لا تشي الأجواء المحيطة بحركة الرئيس المكلف أنه قادر على القيام بما وعد به من إنجاز تشكيلة حكومية من اختصاصيين تلبي طموحات الشارع، فضلاً عن بروز العقدة السنية أمامه لجهة رفض شخصيات وازنة المشاركة في الحكومة، الأمر الذي سيفضي إلى مزيد من العزلة في الشارع السنيّ وهو الفاقد لغطائه، والكامن له على المفترق!.