كتب أنطوان الاسمر في “اللواء”:
يعتقد المسعى الغربي الفرنسي – الأميركي ان الأسبوعين المقبلين يجب ان يشكلا المهلة اللازمة لإنضاج الحكومة
لا يخفي بعض عواصم القرار مسعاه الى الحضّ على تقصير الفترة المحددة لاستيلاد الحكومة حتى حدها الأدنى، من جهة للإفادة من الزخم الحاصل نتيجة عدم الممانعة الدولية للتكليف والرغبة بحكومة إنقاذ وطني، ومن جهة أخرى لاعتقاد تلك العواصم بأن تمييع تلك الفترة من شأنه فتح الباب مشرّعا أمام مزيد من العثرات في الدرب الحكومي، تُضاف الى العثرات القائمة، في مقدمها مسألة التمثيل السني، ما من شأنه حكما تعقيد الولادة، وربما إستحالتها متى تمكّن المعطّلون والمتضررون من ذلك.
هذا المسعى الغربي، الفرنسي – الأميركي على وجه التحديد، يعتقد ان الأسبوعين المقبلين يجب أن يشكّلا المهلة اللازمة لإنضاج الحكومة، بالنظر الى الحاجة القصوى لبدء عملية إنقاذ موجعة وحتمية للاقتصاد اللبناني، مع ما يتوجب ذلك من سباق حكومي ضد الوقت لتكوين حاضنة دولية تسهم في تعويم الاقتصاد وفي مدّ لبنان بما يلزم من دعم ومساعدات، في موازاة بدء عملية الإصلاح الموعود.
وإذا كان غير مفاجئ الجهد الذي تبذله باريس للمساعدة عبر مجموعة الدعم الدولية، ربطا من جهة بالعلاقة الوجدانية مع لبنان، ومن جهة أخرى بالرغبة الفرنسية في جعله مدخلا الى إستعادة حضور فائت في المنطقة لم تستطع الى الآن تعويضه في أي من الأماكن الأخرى، فإن الموقف الأميركي يبقى هو العلامة الفارقة التي فاجأت المناوئين وخيّبت آمال فريق كان يتكّئ على واشنطن لإفشال التغيير الحكومي الدراماتيكي. وأوحت واشنطن أنها قد تغضّ الطرف عن تغطية عملية خلط أوراق هي الأوسع والأكبر منذ إتفاق الدوحة، تشي بتغيير في معادلات تركيب الطبقة السياسية التقليدية والتوازنات السابقة التي حكمت عمل تلك الطبقة.
حجر الرحى في التبدّل النسبي في الموقف الأميركي من متشدد في إستكمال الحصار على حزب الله، وخصوصا على حلفائه المسيحيين وبالتحديد «التيار الوطني الحر»، الى محاوِر للتيار من الباب العريض، يكمن في تنامي توجّه في الكونغرس يضغط في إتجاه مقاربة مختلفة مع لبنان، إنطلاقا من إعتقاد مجموعة وازنة من المشرّعين ان تقويض النظام اللبناني يعني حكما رميه من جهة في حضن حزب الله وإيران، ومن جهة أخرى يسهّل المسعى الراغب الى تنظيم توازنات داخلية جديدة، من مثل المثالثة في الحكم التي تعني حكما قضما سياسيا للحضور المسيحي (لمصلحة تضخّم الأنا المسلمة الحاكمة) يؤول تدريجا الى تهديد وجودي للمسيحيين ولدورهم، فيلتحقون بمن سبقهم من مسيحيي المشرق، تقتيلا وتغريبا وتشريدا، بما يؤدي الى كارثة تشتيت دورهم الحضاري وربما تفجير لبنان، لأنه من غير المضمون ما ستؤول اليها العلاقة السنية – الشيعية بعد فقدان الدور المسيحي الامتصاصي. واللافت في هذا السياق ما يتردد من معطيات عن إستعداد واشنطن لدور اكبر في لبنان غير مرتبط بالنتيجة التي ستكون عليها الانتخابات الرئاسية الأميركية.
تسري هذه المقاربة الأميركية في الكونغرس شيئا فشيئا، وكانت في أساس إعادة إحياء الدعم ماليا، عبر الإفراج عن المساعدة المخصصة الى الجيش اللبناني (105 ملايين دولار) وتلك المرصودة في ميزانية الوكالة الأميركية للتعاون الدولي USAID (115 مليون دولار)، والارجح لاحقا عبر الإيعاز الى الدول المانحة للتخفيف من الحصار المالي المفروض على لبنان، وهو ما تمّ تلمّسه لو خفرا في لقاءات جرت في باريس على هامش الاجتماع الأخير لمجموعة الدعم.
يتمدّد هذا التوجّه أيضا داخل المؤسسة الحاكمة الأميركية من خلال مجموعة من الشخصيات من أصول لبنانية تسعى في السياق ذاته لإخراج لبنان من السياسة الأميركية تجاه إيران، ولتحييده في أي صفقة ممكنة بما يجنبّه دفع أثمان تبدّل إستراتيجيات او تغيّر سياسات.
ويتردد أن أكثر المتحمسّين هي العضوة في الكونغرس عن ولاية New Hampshire الديمقراطية سينتيا جين باورز (زوجه اللبناني الأصل بيل شاهين)، بما تملك من تأثير وحضور في مجلس الشيوخ، وخصوصا في لجنتي الخدمات المسلحة SASC والاستخبارات SSCI.