Site icon IMLebanon

لبنان 2020.. جائعون لا مَجاعة؟

فصلٌ من تاريخ لبنان كان طيّ النسيان لأكثر من قرن من الزمن، عاد إلى الواجهة أخيراً مع تحذيراتٍ أطلقها عددٌ من السياسيين واستحضرت «كابوس» سنوات المجاعة التي ضربت جبل لبنان بين عاميْ 1915 و1918، متسبِّبة بالقضاء بحسب الأرقام المتداولة على نحو 200 ألف إنسان، أي ثلث عدد السكان.

وجاءت إزاحة «ستار النسيان» عن المجاعة الكبرى وفظائعها، على وقع اشتداد الأزمة المالية والاقتصادية التي أحكمتْ قبضتها على لبنان في الأشهر الأخيرة ووضعتْه على أبواب الانهيار الكبير، منذ انكشاف شِبه «تبخُّر» السيولة بالدولار وما استتبع ذلك من فرْض المصارف القيود الصارمة على السحوبات بالعملة الخضراء كما على التحويلات بها إلى الخارج، وسط «نداءات» استغاثة أطلقتْها القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية وكرّ سبحة التسريح الجَماعي لموظفين وقفل مصانع ومؤسسات، وانخفاض قدرة اللبنانيين الشرائية نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة (تجاوز 2000 ليرة) وبالتالي فقدان العملة الوطنية ثلث قيمتها.

وفي تسجيلٍ صوتي جرى تَداوُله على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، قال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط: «الجبل على مشارف الجوع. الجبل ولبنان. لكن يهمني الجبل»، لافتاً إلى أن «الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يترأسه بدأ بتوزيع القمح والحبوب للزراعة وتأمين المواد الأولية مثل المازوت للعائلات المحتاجة»، شارحاً أن «الاقتصاد على باب الانهيار إن لم يكن ينهار، ولبنان لا يمكن أن يستمرّ كما استمرّ عبر عشرات السنوات بكونه بلد خدمات وسياحة وفنادق ومطاعم ومصارف من دون إنتاج، فهذا غير صحي».
وقبْله، حذّر النائب ميشال معوض في تسجيل صوتي من «أننا ذاهبون إلى أزمة تشبه التي مرّ فيها لبنان خلال الحرب العالمية الأولى»، كما قال النائب هادي حبيش «البلد يتجه إلى كارثة وانهيار كلّي إذا بقي الواقع على ما هو»، مشيراً إلى «أنّنا سنصل إلى حرب مالية بمعنى الفقر والمجاعة».

وبين المتخوّفين من أن تستعاد مشاهد الجوع بحيث يشتهي اللبنانيون فتات الخبز وبين مَن يرون أن بلوغ هذه المرحلة الكارثيةِ مستبعَد، حاولت «الراي» الإجابة عن «سؤالِ سنة 2020»: «هل سيناريو المجاعة واقعيّ أم أنه يحمل في طياته تضخيماً وتهويلاً»؟
الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم اعتبر عبر«الراي» أن «الحديث عن المجاعة أمرٌ مبالَغ فيه، ومَن يلوّح به يرتكز على أن نسبة البطالة سترتفع وبالتالي نسبة الفقراء وسينخفض مستوى المعيشة وسنفتقد العديد من السلع نتيجة ارتفاع سعرها».

وأضاف: «الحقيقة أننا سنكون أمام بطالة غير مسبوقة، فلن يجد الشباب فرص عمل وسيتم تسريح موظفين من مراكز عملهم، وبالتالي فقدان قدرتهم الشرائية، لكن بالإجمال الشعب اللبناني يشعر بغيره، وإذا وجد شاب نفسه بلا عمل فإن أهله يقدمون له المساعدة. نعم أمامنا سنة صعبة على الشباب اللبناني، فأحلامه مُهَدَّدة».

نحن الآن، كما قال الحكيّم، في مرحلة الركود التضخمي «فاقتصادنا بالاسم حرّ، أما في الواقع فلدينا احتكارٌ كون مشروع قانون المنافسة في مجلس النواب لم يُبت به حتى الآن، ووجود الاحتكار يجعل التجار يستغلّون الوضع الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى هناك أسباب موجبة لارتفاع الأسعار كون الدولار غير متوافر بالسعر الرسمي (1507.5 ليرة) ما يضطر التجار إلى تأمين الدولار للاستيراد بالسعر الموجود في السوق الموازية التي باتت عملياً السوق الحقيقية. أما الضوابط على رؤوس الأموال، فكان يجب أن توضع على الدولار والليرة وبطريقة مدروسة، ومن دون وجود استنسابية كما هو الحال اليوم».

كذلك رفض البروفسور جاسم عجاقة في حديث إلى «الراي» ما يتم تداوله عن أن المجاعة تهدد اللبنانيين، مؤكداً أن «مستوى الفقر سيرتفع إذا استمررنا على الوضع الذي نحن فيه، ولكن مجاعة الحرب العالمية الأولى ليس لها مكان هنا، كون الحدود مفتوحة وبإمكان المواطنين أن يهاجروا أو يزرعوا أرضهم وغيره».
عجاقة شرح أنه قبل انفجار «ثورة 17 تشرين الأول» كانت نسبة الفقر في لبنان 31.59 في المئة «ومع اندلاع الاحتجاجات بدأ سعر صرف الدولار يرتفع في السوق، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية حيث استفاد التجار بشكل تلقائي. إذ عمدوا وقبل شراء بضائع جديدة إلى رفْع الأسعار التي وصلت نسبة الزيادات عليها الى مستويات تخطت 30 في المئة في بعض الأحيان، ما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، وتالياً لم يعد باستطاعته الاستهلاك كما في السابق، حيث اضطر الى التخلي عن الكماليات من صناعة وزراعة وخدمات».

وشَرَح: «مثلاً في ما يتعلق بقطاع الخدمات، مَن كان يقصد المطاعم خفّض عدد زياراته لها، وكذلك مَن كان يسافر للسياحة. أما في ما يتعلق بقطاع الصناعة، فمَن كان يغيّر سيارته كل نحو سنة أو سنتين لم يعد باستطاعته ذلك بسهولة إلا قلّة من الناس، كذلك في ما يتعلق بشراء الأدوات الكهربائية. وفي قطاع الزراعة توقف الناس عن شراء الكافيار وغيره من الأصناف ذات السعر المرتفع واكتفوا بالأساسيات».

وعما إذا كنا سنصل الى مرحلة تُفقد فيها مواد من السوق أجاب عجاقة:«نعم فيما لو استمرّ الحصار بالدولار بهذه الصورة»، مضيفاً: «تحديد نسبة الفقر تتم بحسب المدخول، والمواطنون الذين كانوا ينتمون الى طبقة الفقراء ازداد فقرهم بدرجة كبيرة، وقسم ممّن هم في أسفل الطبقة المتوسطة أصبحوا من ضمن الطبقة الفقيرة، وهذا لا يعني أنه لم يعد باستطاعتهم شراء الطعام لكن مدخولهم تَراجَعَ. وإلى الآن لم نصل الى مراحل من الفقر فعلية على الأرض، ولا يمكن القول إن نسبة الفقر ارتفعت بمستويات مخيفة».
لكن متى تصبح لهذا الواقع المخيف ترجمات على الأرض؟ يردّ: «عندما تطول الأزمة، أي بعد أشهر من الآن، حيث سنصل إلى مراحل يرتفع فيها الفقر الى نسبة كبيرة، فقسم من الطبقة المتوسطة (وبالتحديد مَن هم في أسفل هرَمها) سينضم الى الطبقة الفقيرة بسرعة كبيرة».

وتابع:«موفد البنك الدولي حذّر عند زيارته رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أن نسبة الفقر قد تصل الى 50 في المئة إذا استمرّ الوضع على ما هو، ومن هنا على الحكومة الجديدة عند تشكيلها وضْع خطة لمحاربة الجوع والفقر اللذين يشكلان خطراً ويهددان بتحوّل الوضع الى قنبلة اجتماعية».
«الوصول الى مرحلة المجاعة في لبنان صعب جداً»، بحسب ما أكد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي لـ«الراي»، إذ قال: «حديث البعض عن المجاعة أمر مبالَغ فيه. نعم قد تنخفض كمية بعض البضائع من السوق، وقد تُفقد بعض الأصناف، لكن ما دام باستطاعتنا تحويل الأموال إلى الخارج ولو بكميات أقلّ وبصعوبة أكبر لشراء البضائع، فلن نواجه هذه المشكلة، إلا إذا مَنَعنا السياسيون بالكامل من التحويل، عندها يكونون هم المسؤولون عن المجاعة».

وعن المواد التي قد تُفقد من السوق شَرَحَ: «التاجر أو المستورد سيَحْكم تباعاً أي أصناف في المستقبل ستُباع معه من عدمها، إذ نتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمواطن نظراً لارتفاع سعر صرف الدولار قد يقدّر التاجر أن المستهلك لن يشتري أصنافا معيّنة، عندها يتوقف التاجر عن شرائها أو يستوردها بكمية أقل، لكن المواد الأساسية كالرز، السكر، الحليب، الشاي، الحبوب اللحوم ستبقى مؤمَّنة».
من جانبه اعتبر الناشط المدني ومحامي الحِراك الشعبي حسن بزي أن الحديث عن المجاعة «مجرّد تهويل»، شارحاً «كل ما نحتاج إليه أن تقوم النيابة العامة المالية باسترداد الأموال ووضْعها في المصارف، بغض النظر عن موضوع استعادتها في الوقت الراهن كملكية للدولة، وأقلّه استرداد المليارات التي تم تحويلها إلى الخارج لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي كي تعود الأمور إلى مجاريها، وإلا فسنذهب الى الانهيار العام وليس فقط المجاعة، وذلك لعدم توافر الأموال في لبنان، إذ لا يوجد اكثر من 7 مليارات دولار في الوقت الذي يحتاجه السوق الى 20 ملياراً، وهذا هو السبب وراء الأزمة وارتفاع الأسعار».

ولفت الى «أننا كمحامين للحراك سبق أن تَقَدّمنا بإخبارٍ ضدّ الصرافين والمصارف والشركات التي تتلاعب بالعملة وقد قطع التحقيق شوطاً مهماً، وأعطى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم أمراً بدهْم العديد من محلات الصيرفة ومنْع سفر عدد كبير من الصرافين. المتوجّب علينا نقوم به، وعلى النيابة العامة المالية أن تتابع بشكل حاسم وتعمل على فتح تحقيق مع المصارف لمعرفة كيفية تحويل المليارات إلى الخارج».
وعن بدء توزيع الحصص الغذائية من بعض الأحزاب تحضيراً للمجاعة التي يُروَّج لها، أجاب: «نحن أمام مستوى من الوقاحة لا مثيل له. سرقوا المواطنين ويعطونهم الفتات، وكأنهم يقولون لهم: أنتم عبيد لدينا ولا يمكنكم أن تكونوا أحراراً، ووجودكم في الشارع سيؤدي الى تجويعكم، ومرجعكم لنا، اخرُجوا من الشوارع وسجِّلوا أسماءكم كي تنالوا حصة غذائية مشروطة بعدم المشاركة بأي نشاط. فالغاية إذلال الناس والقبض على الثورة ومحاولة إطفائها من خلال اتباع أسلوب الزعيم والعبيد»، وأضاف: «المواطنون أصبحوا متيقّظين لَما يدور».

للقضية شقان، بحسب الناشط في الحِراك الثوري المحامي واصف الحركة، الذي قال لـ«الراي»: «الشقّ الأول تهويلي لتخويف الناس للتوقف عن التفكير بالتغيير السياسي، كون الجائع إذا سئل في حصة الرياضيات عن واحد زائد واحد سيكون جوابه رغيفان. وهذا من ضمن لعبة الدولار والمصارف للضغط على الناس. والشق الثاني أننا أمام أزمة اقتصادية بالفعل يتم التسويق لها من قبل كل الطبقة الحاكمة من دون استثناء وذلك من أجل كسر إرادة الناس، والقول في مكان ما إن البلد ينهار وأنتم تتظاهرون، فالبروباغندا التي تحصل هي لصرف النظر عن التغيير السياسي».
ولفت الحركة إلى «أن طريقة توزيع الحصص الغذائية تسويقٌ لفكرة الجوع وإذلال الناس، وإعادة إحياء العلاقة الزبائنية بأحزاب السلطة».
وقال: «لو أراد السياسيون تَدارُك الأزمة وعدم استخدامها في وجه الثورة لكانوا شكلوا حكومة مؤهلة لوضع خطة انقاذية. لكنهم يماطلون، وفي النهاية سينقلب السحر على الساحر، فنحن سنكمل المواجهة كوننا في معركة مصيرية».
«نحن أمام أزمة اقتصادية وليس مجاعة»، بحسب الناشط طارق أبو صالح الذي شَرَحَ لـ«الراي»: «في الوقت الذي يقف خلف الأزمة التي يمر بها لبنان السياسيون وأحزاب السلطة، يعمد هؤلاء إلى استغلال الوضع ليزيدوا من رصيدهم من خلال توزيع حصص غذائية على الناس من مال الشعب».

وأضاف: «لا أحد يمكنه أن ينكر أننا أمام أزمة اقتصادية أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض قدرة المواطنين الشرائية وصرف نحو 160 ألف موظف من وظائفهم فيما شركات عدة تترنّح على هاوية الانهيار، وكل ذلك يواجهه بعض الأحزاب بحصص غذائية والدعوة الى العودة للزراعة من جديد، وكأن الزرع ينبت في شهور لا سنوات، وكأن إهمال القطاع الزراعي لم يكن من قبل الدولة التي لم تضع خطةً لتطويره وتصريف الإنتاج».
وتابع:« اقتصاد لبنان استهلاكي، والاستناد كان على قطاع الخدمات الذي يئنّ اليوم في ظلّ عدم وجود خطة لإدارة الأزمة وفي ظل المناكفات السياسية من أجل المحاصصة، وكأنه لا يوجد أي خطر يهدّد البلد».