كتبت د. سهام رزق الله في صحيفة “الجمهورية”:
سيطر الحديث الإقتصادي من دون منازع في فترة الأعياد على مختلف اللقاءات التي جمعت الأقرباء والأصدقاء، حتى أصبح وضع الاقتصاد الطبق الرئيسي لمختلف الموائد والنجم الساطع للجلسات…
مع ارتفاع منسوب القلق لدى الناس حيال تعابير اقتصادية جديدة على مسامعهم، كونها بعيدة غالباً عن مجال إختصاصهم وغير متداولة في محيطهم، تكثر أسئلتهم عنها في كل المناسبات. هنا جردة سريعة لأبرز التساؤلات وملخّص أجوبة مبسّطة لها.
تصنيف المصارف
إذا كان الحديث يكثر أخيراً حول تخفيض مؤسسات التصنيف الدولية (فيتش، موديز، ستاندرد بورز) لتصنيف كبرى المصارف اللبنانية مثل بنك عودة وبيبلوس وبنك لبنان والمهجر، فذلك ببساطة لأنّ هذه المصارف هي الوحيدة المسجّلة على لوائح مؤسسات التصنيف المذكورة وخاضعة لتقييمها، وبالتالي، بمجرّد تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني يتمّ تخفيض تصنيف المصارف المسجّلة على لوائحها.
وبمجرد اتخاذ قرار من مصرف لبنان بأن تسدّد المصارف نصف الفوائد على ودائع الدولار بالليرة اللبنانية والنصف الآخر بالدولار، ترى مؤسسات التصنيف أنّ في ذلك تغييراً في الإلتزامات، يجعلها تخفّض تصنيف المصارف المسجّلة لديها، علما أنّ جميع المصارف تطبّقه… وعدم ذكر بقية المصارف لا يعني أنّها في مأمن من الأزمة، بل إنّها ليست من الأساس مسجّلة لدى مؤسسات التصنيف!
ديون الدولة
الدين العام المعلن كان 86 مليار دولار نهاية 2018، منه فقط 30 ملياراً بالدولار والباقي هو بالليرة، ويتمّ تقويمه بالدولار لإعطاء المجموع. والتصنيف الائتماني للبلد من المؤسسات الدولية يتناول فقط خطر عدم التمكّن من سداد دينه بالعملة الأجنبية وليس الدين بالعملة الوطنية، الذي يمكن للمصرف المركزي طبعها لإيفاء الدين (ولو كان ذلك يتسبّب بالتضخم).
وحملت المصارف فقط نصف دين الدولة بالدولار، أي ما يعادل 15 مليار دولار، والمصرف المركزي 3.5 مليارات دولار وصناديق الاستثمار ومؤسسات مالية حوالى 11.5 مليار دولار. علماً أنّه في 28 تشرين الثاني 2019 سدّد مصرف لبنان كامل قيمة سندات اليوروبوند التي استحقت مع فوائدها التي بلغت 1.58 مليار دولار.
(Decote/Haircut) موضوع الاقتطاع
إنّ ثقل الدين العام بالدولار على المصارف في حال صعوبة التسديد الكامل من الدولة هو بحدود 15 مليار دولار فقط، وهو أقل بكثير من رساميلها الخاصة التي تتخطّى 25 مليار دولار.
وقد طلب المصرف المركزي من المساهمين بالمصارف زيادتها 20% على دفعتين للمزيد من الطمأنة للمودعين. يعني في حال لجأت الدولة الى طلب اقتطاع جزء من سندات دينها بالدولار (مثل أن تعلن الدولة أنّها لن تتمكّن من إيفاء أكثر من 70% مثلاً من دينها بالدولار) يتأثّر حاملو هذه السندات بتحمّل خسارة الفارق (مثلاً 30%) ومنهم طبعاً المصارف التي تحمل سندات الدولة بالدولار.
ولكن طالما رساميلها الخاصة تفوق بكثير حجم السندات التي تحملها بالدولار، تبقى هذه الخسارة محصورة بالمساهمين دون الحاجة للطلب من كبار المودعين أن يساهموا بشراء أسهم من المصرف لزيادة رساميله الخاصة للتمكّن من تخطي الأزمة…
ديون القطاع الخاص
في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها لبنان، ليست الدولة وحدها من يجد صعوبة في سداد دينه، ولاسيما بالدولار، بل أيضاً القطاع الخاص من أفراد وشركات… فإذا كانت المصارف الكبرى التي أقرضت الدولة تراقب إمكانية سداد دينها كاملاً أو اقتطاع جزء منه، إلّا أنّ المصارف الأخرى التي لا تحمل دين الدولة ليست معفية من الهموم، لا بل قلقها متزايد إذا كانت أقرضت أفراداً أو مؤسسات متعثّرة، حيث لا إمكانية لإقتطاع لتسهيل التسديد كما مع الدولة، ولا سهولة لحجز الممتلكات والقيام بمزاد علني لتسييلها.
من هنا، من الملحّ عاجلاً تأمين مناخ إستقرار لتلتقط الحركة الاقتصادية أنفاسها وتتحرّك عجلة المؤسسات المتشابكة لإنقاذ جميع الأفرقاء، كون أوضاع الجميع متداخلة ولا إمكانية للفصل أو تحييد التأثيرات في ما بينها.