كتب حبيب معلوف في جريدة الأخبار:
يقفل هذا العام على زغل بيئي كبير وخطير. كل شيء يتراجع بشكل دراماتيكي. الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية أكلت الأخضر واليابس. الأزمة المالية أكلت أكثر مما أكلت الحرائق من الغابات هذا العام ومحت أثرها بسرعة فائقة. كما أن الأزمة الاجتماعية المرتبطة بتلك المالية والاقتصادية طغت على أضرار السيول والفيضانات. الفساد في الإدارات طغى على فساد الغذاء والهواء… في الشكل طبعاً. تهريب المال (المؤقت) من البنوك إلى الخارج طغى على تخريب البيئة (الدائم). الموت من القلق على العملة طغى على القلق من التلوث. أزمة ارتفاع أسعار المستوردات بالدولار طغت على أزمة النفايات التي انتهت مفاعيل خططها الطارئة وانتهت سعة مطامرها من دون البحث عن بدائل، ما يهدد إما بإعادة تكوّم جبل برج حمود أو بعودة النفايات إلى الشوارع.
عاد الفلتان في عمل شركات الترابة كما في ملف المقالع والكسارات والمرامل… ليس بسبب حراك تشرين بالطبع، بل بسبب فشل وزير البيئة والحكومة في تطبيق القوانين والمراسيم ذات الصلة أو تطويرها أو تعديل المخطط التوجيهي الذي لم يقر بسبب الخلاف على تقاسم المغانم والمواقع بين أحزاب السلطة الأساسيين الذين يستمرون الآن في العمل العشوائي التخريبي وجني الأموال لحسابهم الخاص، بدل أن تذهب إلى الخزينة الخاوية!
ماذا تريد أن تقول لنا كل تلك الفوضى؟ إن من لديه مشكلة في الاقتصاد ومشاكل حياتية لا يفترض أن يفكر في نوعية الحياة؟ ومن قال بأن المشاكل البيئية تتعلق بنوعية حياتنا فقط؟
بين الأفكار والأسماء المسرّبة عن تشكيل الحكومة الجديدة فكرة تصغير الحكومة ودمج الوزارات. قد تكون هذه الفكرة حسنة إذا شملت وزارات الصناديق التنفيعية. وقد يكون مفيداً إذا تم إلغاء مجالس أيضاً كمجلس الإنماء والإعمار وإعادة إحياء وزارة التخطيط. أما أن يكون بين الاقتراحات دمج وزارة البيئة مع السياحة، فأمر مختلف تماماً ويدل على عشوائية في التفكير وتسرّع. ما المقصود من ذلك؟ التوفير؟ ما هذه السطحية التي يبشرون بها؟ ألم نتعلم من تجارب الماضي شيئاً؟ وهل نسي من يقترح ذلك أن الحراك كان قد بدأ بيئياً (عام 2015) بعد أن فاحت رائحة النفايات والإدارة السيئة والنتنة؟
يتم التداول أيضاً في أسماء رجال أعمال لحقيبة مثل البيئة! ألا يعرف هؤلاء الحمقى أن مشكلة البيئة عندنا هي في الأعمال ورجالاتها؟ ألم يتعظ هؤلاء من تجارب أصحاب الأعمال والمتمرّسين في تحضير المعارض وكيف فشلوا ولم نحصد منهم إلا الخيبة وتفاقم الأزمات والمزيد من الهدر في الموارد البيئية والمادية وفي الوقت الثمين أيضاً!؟ لماذا الاستمرار في البحث عن وزراء صوريين في زمن وعي الناس وحاجتهم إلى ثوريين للإنقاذ؟
ثم ماذا يعرف الرئيس المكلف عن هذه المواضيع؟ ألا يعرف أن وزيراً واحداً للملفات البيئية على شاكلة رجال الأعمال لا يكفي لمتابعة ملفات البيئة حتى نفكر بدمج هذه الحقيبة مع أخرى؟ وعلى أي أساس؟
قد تكون الفكرة المنطقية الوحيدة المبرّرة للدمج هي دمج البيئة مع الداخلية إذا أردنا فعلاً حماية البيئة والاقتصاد الوطني معاً.
في العادة كنا نقوم بجردة حساب بيئية نهاية كل عام. الآن نشعر أن علينا أن نقوم بجردة حساب على ما بقي لنا من مساحات وساحات في هذا البلد المنهوب والملوّث بشتى أنواع الموبقات.
ما تغيّر هذا العام، أكثر من أيّ عام مضى، أن للحساب والمحاسبة قواعد مختلفة. وقد تأمّل كثر في أن المحاسبة التي بدأت مختلفة نهاية هذا العام (في 17 تشرين)، لا بد أن تترك أثراً مختلفاً، ولا سيما لناحية استمرار حالة المراقبة في الشارع والساحات والتي تنتظر تغييراً جوهرياً في الخيارات وفي الأداء. لقد أدى التعثر السياسي في إدارة البلاد إلى تعثر اقتصادي بات وجودياً. صحيح أن الخسارة المادية، مهما كانت، ولا سيما في مدّخرات الناس أو في القدرة الشرائية أو في الوظائف، لا تقاس بالنسبة إلى الخسائر في الأنواع وتهديد أسس الحياة من ماء وهواء وتربة وغذاء… إلا أن قيمة حياة الإنسان لم تدخل يوماً في الحسابات بجدية إلا حين تقع الحروب الدموية الفعلية وليست الاقتصادية فقط.
فهل ينجح الرئيس المكلف الجديد حيث فشل من سبقوه في حسن الاختيار لحقيبة سيادية وحياتية ووجودية بامتياز؟