كتبت بولا أسطيح في “الشرق الاوسط”:
يُتابع الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، عن كثب، التطورات منذ الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي حين يقر بالصعوبات والتحديات الكبيرة المقبلة على البلد في عام 2020، يرفض الاستسلام للسلبية والتشاؤم، معتبراً أنه «لا يزال في لبنان أشخاص ينكبون على طرح مبادرات إنقاذية تنتشلنا مما نتخبط فيه».
ويرفض الجميل حسم موقفه من الحكومة المرتقب تشكيلها قريباً، وإن كان يبدو غير متفائل كثيراً بقدرة رئيسها المكلف حسان دياب، على تخطي شروط القوى السياسية ومطالبها، متحدثاً عن «تحفظات كبيرة تحيط بعملية تكليفه ما يعطي انطباعاً بأنه مكبّل». وقال: «لم نتواصل معه كي نحسم موقفنا، لكن الاعتراضات المتواصلة من قبل الكثير من القوى تفاقم مخاوفنا من عدم قدرته على تشكيل الحكومة التي يطمح إليها اللبنانيون». وتساءل: «هل هو قادر أصلاً على أن يتحرر بشكل كامل من كل الضغوط التي يتعرض لها، ويشكل حكومة وفقاً لقناعاته وضميره وتنسجم مع وعوده؟ وهل هو مستعد لمواجهة الفئات التي سمته؟».
وأضاف الجميل: «في الظاهر، لا يبدو أنه (دياب) سينجح بذلك، لأن مهمته هذه تبدو شبه مستحيلة، لكننا ندعوه إلى المحاولة وخوض تحدي تشكيل حكومة إنقاذية متحررة وحيادية بالكامل تمتلك القدرات المهنية والتقنية والفكرية كي تنجح بالتصدي للمشكلات التي يتخبط فيها البلد، فيكون قد فاجأ الرأي العام».
وحثّ رئيس الحكومة المكلف على «فرض نفسه من خلال تشكيل حكومة لا يعترض عليها الشعب ولديها المصداقية و(الخبرات) التقنية والحيادية، والأهم الشفافية»، معتبراً أن «في لبنان لا شيء يبقى قيد الكتمان والمكتوب يُقرأ من عنوانه، لذلك فور إعلان الرئيس المكلف تشكيلته الحكومية ستخضع للتقييم من قبل الشعب الذي سيحدد عندها مسار الأمور».
ويرى الجميل في اعتراض رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، ومفتي الجمهورية، على تكليف دياب، إضافة إلى العدد المحدود من أصوات النواب السنة التي نالها في استشارات التكليف: «مؤشرات سلبية لا يمكن تجاهلها»، لافتاً إلى أن «نجاحه يبقى مرتبطاً بقدرته على إغلاق الباب على كل الاقتراحات التي تأتيه من السياسيين».
ويلفت الرئيس السابق إلى خطورة الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، على حد سواء، ويشدد على أنه «لا إمكانية لإنقاذ لبنان إلا بدعم مالي دولي لا تؤمنه إلا حكومة تتمتع بمصداقية وتجسّد طموحات الناس والشارع»، مشدداً على أهمية «أن ينجح الرئيس المكلف بتقديم نفسه كصادق وشفاف وقادر على أن يتحدث باسم كل اللبنانيين». وأضاف أن «الشفافية تبقى العنصر الأساسي بالنسبة إلى المجتمع الدولي عندما يتعلق الأمر بموضوع المساعدات المادية، باعتبار أن التجارب السابقة مع المسؤولين اللبنانيين في هذا المجال، غير مشجعة تماماً».
ويصف ما حصل منذ 17 أكتوبر بـ«الثورة التاريخية»، مشيراً إلى أنها «كشفت الكثير من الأمور التي بقيت حتى الأمس القريب مستورة». وشدد على أنه «بات من الصعب جداً إعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، قائلاً: «الثورة قد تكون تعبت قليلاً؛ خصوصاً أننا في فترة أعياد، وبالتالي الثوار في نوع من استراحة المحارب… لكنني مقتنع بأن النقلة النوعية التي تحققت على صعيد الرأي العام اللبناني، الذي اعتقد البعض أنه يقبل أي شيء، ولا يمكن أن ينتفض، مستمرة، وستتفعل بعد الأعياد؛ خصوصاً بعدما يتحدد مصير الحكومة ليُبنى عندها على الشيء مقتضاه».
ويبدو الجميل مقتنعاً بأن «الحيوية التي بدت واضحة لدى الشعب اللبناني لا يمكن أن تذبل وتموت، فمن كان يعيش بالذل والفساد والمعاناة، لن يقبل بالعودة إلى هذه الحالة، أياً كانت الأثمان»، متمنياً على رئيس الحكومة المكلف، وعلى كل القوى السياسية، «استيعاب الواقع الجديد في البلد بمعزل عن المصالح الحزبية والفئوية والطائفية». وأضاف: «يجب أن نقتنع أخيراً بأنه لا يمكن أن تستمر إدارة البلد بالطريقة التي كانت تحصل. وفي العام الجديد سنكون على موعد مع تغيير جذري وبالعمق، وإن كان من السابق لأوانه تحديد شكله».
وفيما يرى أن كون الحكومة المرتقب تشكيلها انتقالية «تحصيل حاصل»، يشدد على أن «الانتخابات النيابية المبكرة نتيجة، وليست مطلباً، نتيجة الفشل الذريع الذي تم تسجيله في السنوات الماضية، والذي ظهر فساداً في كل الملفات، سواء الكهرباء أو النفايات، وأخيراً عبر طريقة إدارة الأزمة المالية من قبل المصارف التي باتت تصادر مدخرات اللبنانيين، وتمنع الصناعيين من تمويل عمليات الاستيراد».