كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
هناك من يعتقد انّ المواجهة بين الرئيس المكلف حسان دياب وفريق الحكم الذي اختاره حتمية من دون تحديد موعدها والإستحقاق الذي سيشهد عليها. لكن ما فاجَأ المراقبين أن تقع المواجهة الأولى مع «أهل البيت» بدءاً بالثنائي الشيعي التي ظهرت بوادرها المبكرة، وقد تعوق مهمته وتهدّد شكل الحكومة التي يريدها شبيهة بشخصه. فهل سينجح في خياراته؟
قادت الظروف المحلية والإقليمية والدولية، التي واكبت تكليف دياب مهمة تأليف الحكومة، الى الإعتقاد انّ المواجهة حتمية بينه والفريق الذي اختاره من دون القدرة على تحديد الموعد. وعزّز هذا الاعتقاد كل ما رافَق الإستشارات النيابية الملزمة وما سبقها وتلاها من أداء ومواقف. وما دفع الى هذا التوجّه بُني على طبيعة الشخص وطريقة مقاربته الأمور، عدا عن الظروف التي أملت عليه هذه المهمة.
وقبل التوسّع بهذه النظرية المتكاملة، وما يمكن ان تأتي به الظروف من مفاجآت لم تكن محتسبة في أذهان اهل الحكم والحكومة، لا بد من الإشارة الى انّ كثيراً مما يجري اليوم مصطنع الى حد بعيد. فالتحالفات التي بُنيت لا تمتّ الى طبيعة الظروف التي تعيشها البلاد. فهي تأسست على بعض أشكال الإنقلابات التي تثبت وجود ازدواجية في المعايير والمواقف وتُخفي كثيراً مما هو مضمَر. فقد خبر اللبنانيون في السنوات القليلة الماضية ما تقود اليه سياسة نصب المكائد والأفخاخ المتبادلة بين الحلفاء قبل الخصوم.
قبل تكليف دياب عاشت البلاد مجموعة من الأحداث التي أدت الى نسف عدد من التفاهمات والتسويات، ومنها تلك التي بنيت لظرف محدد او وفق استراتيجية طويلة المدى قيل إنها محصّنة لتكون دائمة، فإذا بها تُصاب بالوهن في منتصف الطريق واهتزّ بعضها قبل ان ينتصف العهد وانهار البعض الآخر. لقد كان واضحاً انّ الترددات التي تركها سقوط «تفاهم معراب» لن تقف عند حدود العلاقة بين طرفَيه «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». بدليل انّ سقوط هذا التفاهم، الذي شكّل نواة اساسية للتسوية السياسية الكبرى التي أطلقت مسيرة العهد، قد تكرر مرة أخرى. فأحداث قبرشمون وما سبقها وتلاها كانت سبباً لسقوط تفاهم آخر بين «التيار الوطني الحر» و»الحزب التقدمي الإشتراكي». قبل ان ينعى الجميع قبل ايام التفاهم بين التيارين الأزرق والبرتقالي رغم ترجمته في محطات نيابية وحكومية وسياسية.
يعتقد البعض انه لم يكن ضرورياً العودة الى الوراء كثيراً لبناء تصور للعلاقة مع دياب الآتي من عالم آخر، وهو ما وضعه في موقف صعب عند دخوله السلطة ليتشاركها مع مجموعة من الحلفاء الجدد الذين سمّوه قبل ان يعيشوا أياً من التجارب المختلفة. فدياب مضطر اليوم الى خوض المواجهة مع طاقم متماسك ومتكامل، وليؤدي دوراً بديلاً من طاقم آخر بات خارج السلطة. وانّ عليه أن يبتدع صيغة جديدة لدوره لكي يحجز موقعاً له يؤهّله استعادة ما فقده من ثقة مع مرجعيته الدينية وقاعدتها الطبيعية، ووقف تشكيك الحراك به طالما انه لم يُحاكيه بعد ولم يقدّم له اي تصور للمرحلة المقبلة.
وعليه، فإنّ السعي الى تكوين التصوّر المرتقب لشكل العلاقة بين دياب وشركائه يفرض إلقاء الضوء على تجربته الحديثة معهم بدءاً من الثنائي الشيعي. فهي تجربة بدأت برفض رئيس مجلس النواب نبيه بري ما جاء في تشكيلته الأولى من اقتراح لإسناد حقيبة التربية الى صديقه الدكتور نشأت منصور، فقيل له بشكل من الأشكال «نحن الذين نسمّي وزراءنا». وتطورت الأمور مع «حزب الله» الى ما هو أبعد من ذلك، عندما أصرّ الحزب على إعادة الوزير جميل جبق الى وزارة الصحة التي ستدمج بها وزارة الشؤون الإجتماعية.
لم يؤد اقتراح «حزب الله» الى رفض دياب فحسب، لا بل فقد أحيا مطالب نائمة مماثلة زادت من ضعف قدرته على تفكيك ألغام البحث عن الوزراء السنّة وتوفير النساء الستة اللواتي تعهّد بإدخالهنّ الى الحكومة. فعندما دارت مطالب «الحزب» دورتها الطبيعية بين الأطراف المعنية، أصرّ بري على إعادة وزير الزراعة حسن اللقيس الى وزارته واستنسَخ باسيل التجربة للمطالبة بإعادة كل من ندى البستاني الى وزارة الطاقة ومنصور بطيش الى وزارة الإقتصاد، كذلك أصرّ فرنجية في حال حصول ذلك على احتفاظ يوسف فنيانوس بوزارة الأشغال العامة.
وبناء على ما تقدّم، يمكن القول إنها المواجهة الاولى بين دياب وحلفائه بدءاً بـ«الثنائي الشيعي» في بداية الطريق، وسط توقعات بإمكان تجدد مثل هذا الخلاف في أي وقت يصطدم فيه إصرار دياب على استعادة موقعه وتحسين صورته المشوّهة في الطائفة السنية، بحيث سيضطر الى مزيد من التشدد في عدد من الملفات قياساً على التجارب السابقة مع رؤساء الحكومات.
قد لا تقف الأمور عند هذا الحد بين دياب وحلفائه من اصحاب الصف الواحد، وقد تتطور الأمور نتيجة ما أفرزته هذه التطورات من خلاف على تفسير صفة «الاختصاصيين» و»المستقلين» وفق معايير لم يتفق اهل البيت عليها بعد ولا يشاطرهم فيها أحد، وخصوصاً الحراك الذي عبّر بما فيه الكفاية عن مخاوف العودة الى مثل هذه الصيَغ.
ولذلك كله، تتجه الأنظار الى البحث عن الحل المفقود في حال أصرّ الرئيس المكلف على موقفه من عدم إعادة اي من الوزراء السابقين الى الحكومة، وليطرح السؤال عن مصير مساعيه من اجل حكومة تشبهه بكل المعايير السياسية والاستقلالية. فإذا صَحّت بعض التوقعات بإمكان حل العقدة الشيعية وانعكست على بقية العقد كان به، وإن بقيت الأمور مجمّدة على هذا النحو فإنّ عملية التأليف ستدخل مرحلة التمديد الى حين تحقيق معجزة ما، لا يبدو أنّ زمانها قد آن أوانه.