Site icon IMLebanon

الوضع اللبناني عام 2019: أزمات مالية وإقتصادية

شهد العام 2019 الذي يطوي آخر أوراقه اليوم، تطورات دراماتيكية على المستوى الاقتصادي والمالي. ولعلّ الحدث الأبرز الذي بدأ في الفصل الأخير من السنة، وستمتدّ تداعياته الى فترة طويلة مقبلة، تمثّل بالإجراءات القاسية التي اتخذتها المصارف في ظل أزمة سيولة خانقة، أدّت الى تحديد سقوف السحوبات النقدية، ومنعت التحويل الى الخارج.

عانى لبنان من أزمة محروقات تمثلت بإضرابات محطات الوقود وتهديدها بالاضراب المفتوح رفضاً لشراء المحروقات بالدولار والبيع بالليرة اللبنانية. وتمّ الاتفاق بين مصرف لبنان ومستوردي النفط، على تغطية المصرف المركزي 85% من الاستيراد بالليرة اللبنانية مقابل تغطية المستوردين 15% المتبقية بالدولار، في حين كانت التغطية المطلوبة 100%. وبعد أخذ وردّ واكبتها موجة الاضرابات والمواقف، أطلقت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الاعمال ندى البستاني مناقصة لاستيراد البنزين فازت فيها شركة ZR .ENERGY وأكّدت البستاني بيع البنزين المستورد بالليرة اللبنانية، لافتة الى أنّ حصّة الدولة من البنزين في السوق هي حالياً 10%.

قبل تشكيل الحكومة التي ترأسها سعد الحريري، انعقدت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة في بيروت في كانون الثاني، في غياب سوريا ومقاطعة ليبيا ومع تراجع مستوى تمثيل بعض الدول. تضمّن جدول الاعمال، اولوية مضاعفة الجهود لتعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين الى بلادهم وتخفيف العبء عن الدول المضيفة ومنها لبنان. هذه الاستضافة كلّفت الدولة اللبنانية اموالاً في ظروف اقتصادية صعبة من دون ان تكون القمة بالمستوى المطلوب.

بعد اقفال أبوابها إثر بدء انتفاضة 17 تشرين، فتحت المصارف أبوابها بحذر، وتمّ تأمين الحماية لبعض الفروع في العاصمة، واعتُمدت اجراءات احترازية. وقد باشرت المصارف وضع سقف للسحوبات بالدولار، ومن ثم تمّ خفض هذه السقوف تباعاً، مع تفاقم الأزمة. وأصدر البنك المركزي في هذا الخصوص قرارات ابرزها: الطلب من المصارف زيادة رأسمالها بما يصل الى 20%، كما طلب عدم توزيع ارباح السنة المالية 2019. وفي ما يخصّ عمليات المودعين، أمر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة في حقائب صيارفة وتجار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، والتي تتمّ بتصريح عادي مُعتمد لدى الجمارك اللبنانية. وصدر عن البنك المركزي قرار بالتساهل في مهلة تسوية الشيكات المرتجعة.

في حزيران 2019، فاز سليم صفير بالتزكية في انتخابات رئاسة جمعية المصارف. وفي كانون الاول/ديسمبر أُعيد انتخاب جوزف طربيه لولاية جديدة لرئاسة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب.

الى ذلك، شهد العام 2019 إقفال مصرف “جمال ترست بنك” بعد العقوبات الاميركية عليه وبعد إدراجه على اللائحة السوداء. وتعهّد البنك المركزي بحماية حقوق اصحاب الودائع مع تصريح من البنك بالالتزام بالقوانين المصرفية.

بعد الموافقة على المناقصة الدولية، أعلنت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الاعمال ندى البستاني “إصدار وتسليم أول ترخيص لتجمع شركات “توتال” – “إيني” – “نوفاتيك” للتنقيب عن النفط والغاز في بلوك 4″ المقابل لشاطئ جبيل – البترون، بين كانون الاول وكانون الثاني، على ان يتمّ التنقيب في ما بعد في البلوك 9 في الجنوب. ووصلت معدات الحفر الى بيروت. واشارت البستاني الى انّ “الاستثمار في القطاع النفطي في لبنان سيكون على عاتق الكونسورتيوم Total ENI Novatek”.

في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية، بدأت معها انذارات وكالات التصنيف الائتماني التي خفّضت مستوى تصنيفها الائتماني للبنان، ووصلت في تصنيف بعض المصارف الى مرحلة التعثر مع نظرة سلبية للمستقبل.

وبعد ان خفّضت وكالة “موديز” تصنيف لبنان من Caa1 إلى Caa2 ووضعته قيد المراقبة لمزيد من الخفض في الأشهر الثلاثة المقبلة، خفّضت تصنيف الودائع بالعملة اللبنانية لدى ثلاثة مصارف كبرى في لبنان “عوده” و”بلوم” و”بيبلوس” إلى Caa2، منCaa1، وخفّضت أيضاً تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية إلى Caa3، من Caa1.

اما “ستاندرد أند بورز” التي صنّفت لبنان في 25 تشرين الاول/اكتوبر 2019 قيد المراقبة لخفض محتمل، عادت وخفّضت تصنيفها إلى CCC/C بسبب تزايد المخاطر المالية والنقدية. وبالنسبة لوكالة “فيتش”، فقد خفّضت تصنيف الدولة اللبنانية من B- إلى CCC.

بعد 8 اشهر على التكليف، تشكّلت في 31 كانون الثاني حكومة سعد الحريري من 30 وزيراً يمثلون مختلف القوى السياسية. وبعد نيلها الثقة، بدأت العمل على موازنة “تقشفية” تلبية لتوصيات البنك الدولي والدول المانحة لتنفيذ مشروع “سيدر”.

أُقرّت الموازنة وأبرز بنودها: حسم 50% من مخصصات السلطات العامة وملحقاتها، منع التوظيف في القطاع العام لمدة ثلاث سنوات يُستثنى من هذا القرار الفئة الاولى ورؤساء واعضاء المجالس والهيئات.

ومن ضمن بنودها سلّة ضرائب مستحدثة نذكر منها: رفع الضريبة من 7% الى 10% على فوائد الحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف ومنها حسابات التوفير. الرسوم على لوحات السيارات التي تحمل 3 ارقام (500 الف ليرة)، 4 ارقام (250 الف ليرة) ولوحة 5 ارقام (150 الف ليرة). رسوم جديدة على اللوحات العمومية، رسم 3% على السلع المستوردة الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة باستثناء البنزين والمواد الاولية للصناعات والمعدات الزراعية. بالاضافة الى رفع الرسوم على العمالة الاجنبية (اجازات العمل واجازات الاقامة) بهدف تشجيع توظيف اللبنانيين. رسم 50 الفاً عن كل معاملة نقل كفيل للعمال الاجانب. اضافة رسم 25% على ضريبة الرواتب والاجور وضريبة دخل للمهن الحرة والصناعية والتجارية على ما يتخطى 225 مليون ليرة، واضيف رسم على رواتب المتقاعدين (نصف النسبة التي يدفعها الأجير). وبالنسبة لجواز السفر استُحدث جواز صالح لمدة ثلاث سنوات بقيمة 200 الف ليرة.

في المقابل، انخفضت بعض الرسوم مثل دفع 2% بدل 5% رسم تسجيل على العقار الذي يصل ثمنه الى 375 مليون ليرة، والعقار الذي يزيد سعره عن ذلك يدفع 3%. تخفيض غرامات المخالفات بنسبة 85% مع تقسيط الضرائب المتوجبة. دفع 50% من الغرامة لتسوية الملفات العالقة امام لجنة الاعتراضات. يُضاف الى ذلك استحداث “اعادة تقييم استثنائية” التي تسمح للمواطن ان يدفع 5% بدل 15% بعد خدمة اعادة التقييم.

وطاولت زيادة الضرائب قطاع الاتصالات (ضريبة على الواتساب) عبر الهاتف الخلوي، وذلك لزيادة ايرادات خزينة الدولة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الذي تحوّل الى تاريخ التحرّك الشعبي الذي شلّ كل القطاعات في البلد: المصانع المصارف الشركات والمدارس… ما أدّى الى استقالة الحكومة بعد ان فشلت في محاولة ارضاء الشارع بورقة اصلاحية هي أقرب الى نسج الخيال. من ابرز وعودها: الغاء ودمج بعض الوزارات، دعم التصدير، توحيد شراء الادوية، الخصخصة، تجميد الانفاق الاستثماري، مساهمة مصرف لبنان بخفض خدمة الدين العام.

ولبنان ينتظر حتى الآن تأليف حكومة انقاذية لتحلّ الأزمة الاقتصادية المتمثلة بشح الدولار وتنامي الاسواق الموازية وشحّ المواد الاولية من المصانع وارتفاع نسبة البطالة مع اقفال العديد من المؤسسات أبوابها، وبعد ان علت صرخة المستشفيات، الافران وغيرها من القطاعات.