كتبت سناء الجاك في “الشرق الاوسط”:
يعيش موظفو القطاع العام اللبناني في حالة رعب يرتفع منسوبها أو ينخفض مع الأخبار التي يتم تداولها عن احتمال توقف الدولة عن تأمين الرواتب.
ويورد البعض أن الحساب رقم 36، وهو رقم الحساب الرسمي للدولة في مصرف لبنان والذي يجب أن يتوفّر فيه الرصيد اللازم، يعاني من شح مالي. إلا أن مثل هذه الأخبار تفتقر إلى الدقة، كما يقول الخبير في الشؤون المالية الدكتور توفيق كسبار، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «من رابع المستحيلات أن تتوقف الدولة عن دفع الرواتب. فهي تدفعها بالليرة اللبنانية، ولا مشكلة لديها في السيولة، إذ يمكن أن توفرها إذا ما شحّت بطبع العملة. لكن المشكلة هي في خسارة الليرة اللبنانية قيمتها مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ما يعني أن قيمة الراتب تنخفض. ومع الارتفاع العشوائي لأسعار السلع تتدنى قيمة الراتب أكثر».
وعادةً ما تنتج خطوات طبع العملة من دون تغطية موازية بالعملة الصعبة أو الذهب، تضخماً، وتخسر من قيمتها، وهو ما تحاذر الدول القيام به منعاً لتدهور قيمة العملة المحلية، علماً بأنه في لبنان تحافظ العملة المحلية (الليرة) على قيمتها (1507 ليرات مقابل الدولار الواحد) منذ العقد الماضي، لكنها خسرت 25% من قيمتها في السوق الموازية خلال الشهرين الماضيين، بسبب أزمة نقص السيولة بالدولار.
همٌّ آخر يؤرّق العاملين في القطاع العام بعد بلوغهم سن التقاعد، وذلك بعد انتشار إشاعات عن أنهم لن يستطيعوا الحصول على تعويض نهاية الخدمة نقداً وإنما سندات خزينة.
وتقول ليلى نجار، وهي معلمة في مدرسة رسمية بلغت الرابعة والستين، لـ«الشرق الأوسط» إنها لا تثق بالدولة التي كانت تحسم من راتبها مقابل هذا التعويض، شهراً بعد شهر. وتخاف من أن يضيع حقها بعد نحو أربعين عاماً في التدريس، متسائلة: «إذا أفلست الدولة، بماذا تفيد سندات الخزينة؟».
لكن كسبار يجزم بأنه «لا مشكلة في تحويل التعويض إلى سندات خزينة ما دامت بالليرة اللبنانية، لأن ما يسري على الرواتب يسري عليها، ونستطيع تحصيلها مع الفوائد في الفترة المحددة».
ولا يقتصر فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها على الرواتب والتعويضات. فالمسألة الأهم التي تؤرق الموظفين تتعلق بالضمانات الصحية، وتحديداً لكبار السن الذين كانوا مطمئنين إلى أن خدمتهم في القطاع العام تضمن لهم الاستشفاء في إطار تعاونية موظفي الدولة. إلا أن غالبية المستشفيات المتعاقدة مع الدولة ترفض استقبال المرضى الذين تشملهم خدمات التعاونية والضمان الاجتماعي.
فالدولة لم تسدد لهذه المستشفيات مستحقاتها منذ ما يقارب السنتين. وقد فاقت هذه المستحقات تريليوني ليرة لبنانية، وفي ظل خطر تدهور سعر صرف الليرة تجاه الدولار فإن غالبية المستشفيات ستكون مهددة بالإفلاس نظراً إلى أن الجزء الأكبر من التزاماتها تجاه مقدمي الخدمات والمستوردين والمصارف هي بالدولار.
ويقول مسؤول في أحد مستشفيات بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن «على الدولة التي تحرص على تسديد الرواتب في وقتها، أن تعالج مسألة مستحقاتنا بأسرع ما يمكن، وإلا فلن يمكننا استقبال المرضى المضمونين منها في حين تواصل التهاون بحقوقنا، لا سيما في ظل الأزمة المالية التي يعاني لبنان منها».
وتكرر المستشفيات الخاصة منذ أشهر أنها تعاني من أزمات مالية نتيجة تأخر الدولة اللبنانية بدفع مستحقاتها، ما يهدد قدرتها على الاستمرار. وأعلن رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي مطلع الشهر الجاري أن للمستشفيات 1.4 تريليون ليرة مع الجهات الضامنة، من وزارة الصحة والضمان الصحي والقطاع العسكري وتعاونية موظفي الدولة. وقال إن البنك المركزي كان قد قرر أن يصرف 400 مليون دولار للقطاع الصحي، وهذه الأموال حسب وزير الصحة لم تؤمّن.