كتب حسين عليق في “الاخبار”:
لم تغيّر مديرية التوجيه في قيادة الجيش من عاداتها. بدل مصارحة اللبنانيين ببيان رسمي تفصيلي، قررت الرد عبر «أل بي سي آي»، على ما ورد في «الأخبار» أمس، عن صفقة الصواريخ الفاسدة التي تسلمها الجيش قبل أسابيع. يقول التقرير الذي ظهر في نشرة أخبار «المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشيونال» المسائية إن الجيش لم يفاجأ بما ورد في «الأخبار»، لأنه فتح تحقيقاً بشأن صفقة الصواريخ الفاسدة. لكن مصادر الجيش كذبت على معدّ التقرير في «أل بي سي آي»، عندما نفت ما نشرته «الأخبار» عن أن عقد شراء الصواريخ ينص على تسلّمها في روسيا لا في صربيا. إما أن المصادر المذكورة لم تطّلع على العقد، أو أنها تريد التعمية على أصل المشكلة في هذه الصفقة. فلو أن الصواريخ تُسلِّمت في روسيا، لكان ذلك كفيلاً بتسلّم لبنان صواريخ صالحة للتخزين والاستخدام، وبضمانة الدولة الروسية. أما «تهريب» التسليم في صربيا، ومن مخزون صربي، ومن دون أي تواصل مع الحكومة الروسية التي لم تكن تعلم بهذه الصفقة، فهو مكمن الفضيحة التي ولّدتها هذه الصفقة. فما يُعتقد هنا هو أن الشركة الصربية استخدمت اسم روسيا لخداع الجانب اللبناني. ويبدو أن في لبنان من «ساير» الشركة الصربية، بأنْ قبِل بفحص الصواريخ في صربيا.
ولتوضيح الأمر، لا بد من ثَبت الوقائع وفق الآتي:
– العقد الموقّع بين وزير الدفاع السابق يعقوب الصراف، يوم 12 كانون الاول 2017، وشركة «يوغوإمبروت» الصربية، ينص على أن تؤمن الشركة للجيش 2000 صاروخ غراد بقيمة 3 ملايين و300 ألف دولار أميركي (الصفحة الاولى من العقد). وتزعم الشركة، في الصفحة الثانية من العقد، أنها تملك رخصة تصدير من روسيا. وفي العقد أيضاً أن على الشركة أن تؤمن تأشيرات دخول لمجموعة فنية تابعة للجهة المشترية (الجيش اللبناني) إلى روسيا، لفحص البضاعة التي يوجب العقد (الصفحة الرابعة) أن تكون روسية المنشأ، وأن تكون من صنع العام 2017، وأن يجري فحصها في مرفأ تابع لروسيا الاتحادية (الصفحة الرابعة).
– جرى تنفيذ الصفقة بدءاً من أيار 2019، لكن بتغيير جوهري: فحصت بعثة من الجيش الصواريخ في صربيا. ولم يتم التواصل مع الجانب الروسي لمعرفة إذا ما كانت هذه الصواريخ من إنتاج روسي بعد العام 2017.
– عادت البعثة العسكرية إلى بيروت، وأرسِلت الصواريخ إلى لبنان. وعندما تسلمها الجيش، اشتبه المسؤول عن تخزينها في أنها ربما من صنع العام 1982.
– فتح الجيش تحقيقاً، وهو ما ذكرته «الأخبار» أمس، وأكدته المصادر لـ«أل بي سي آي». لكن المصادر، وفي موقف شديد الغرابة، قالت ما معناه إن الشرطة العسكرية لا تحقق مع مدنيين، في معرض ردّها على سؤال «الأخبار» عن عدم إخضاع وكيل الشركة الصربية، اللبناني «ف. ر.» للتحقيق. الغرابة في الموقف نابعة من أن الشرطة العسكرية تحقق مع مدنيين، ويمر بها كل موقوفي استخبارات الجيش الذين يُحالون على القضاء المدني أو القضاء العسكري. الشرطة العسكرية تتولى التحقيق مع المدنيين إذا تعرضوا لحوادث سير مع آليات عسكرية، فيما المصدر العسكري يزعم أنها غير صالحة للتحقيق مع مدني في قضية توريد صواريخ فاسدة للجيش!
مجدّداً، قضية الصواريخ التي يُشتبه في أنها فاسدة هي في الدرجة الاولى قضية سياسية، تتصل بعلاقات لبنان الخارجية، وقضية أمن عسكري، وقضية إهدار مال عام. ولا يجوز التستر عليها بأي شكل من الأشكال، بذريعة قضايا «الأمن القومي».