أمهل الثوار الطبقة الحاكمة، أكثر من أسبوعين لتشكيل حكومة بعد ان تم تكليف حسان دياب، خاصة وان الاخير أعلن فور اختياره للمهمة، ان مطالب المنتفضين، مطالبه، وان الثورة تمثّل تطلعاته. فانكفأوا من الطرقات والشوارع، معطين الناس وأنفسَهم فرصةً لالتقاط أنفاسهم، والشعور ولو بالقليل من فرحة الميلاد ورأس السنة، بعد ان نغّصت اوضاعهم المادية والمالية والمعيشية المزرية، عليهم، يومياتِهم، لا أعيادهم فقط.
غير ان فترة السماح هذه، والتي كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعد بولادة الحكومة خلالها، وقبل رأس السنة تحديدا، انقضت من دون ان تحمل الخبر اليقين. وقبل ان يطلع ضوءُ اليوم، مؤذنا بانتهاء عطلة الاعياد، عادت التحرّكات الى الشارع.
بعضها نفّذه الثوار امام المرافق العامة من مرفأي طرابلس وبيروت الى الادارات الرسمية في حلبا وزحلة. وبعضها الآخر، شهدته شوارع العاصمة في قصقص وكورنيش المزرعة والبقاع أيضا، وغالبا ما يتحرّك فيها مناصرو الرئيس سعد الحريري، رافضين تكليف حسان دياب.هذه العودة السريعة الى الارض يجب ان تقرأها السلطة جيدا، فتعمل لانهاء ورشة تشكيل الحكومة، اليوم قبل الغد، لكن ليس أي حكومة.
فبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” أهل الحكم لا زالوا يماطلون في التأليف باحثين عن مصالحهم، وعن ضمان أفضل الحصص الممكنة لهم، من “قالَب” الحكومة: هذه الطائفة تريد عدد وزراء أكبر، وهذا الفريق السياسي يعمل لانتزاع تلك الوزارة الوازنة ومنعها من الذهاب الى طرف آخر، في حين تسعى مكوّنات الى إبقاء وزارات دسمة في جيبها بعد ان كرّستها هي، لنفسها، بعيدا من اي دساتير وقوانين. هذا كلّه يحصل في وقت بات من المرجّح ان تكون تركيبة دياب من الاختصاصيين، ولكن ستختارهم القوى السياسية، ما يعني انهم ليسوا حياديين او مستقلّين.
لكن في حال بقيت الامور على هذا المنوال، تتابع المصادر، فإن الحكومة المرتقبة ستولد ميتة. فالثوار سيقابلونها بتصعيد قوي في الشارع، ومَن يدري، ربما بلغ بهم الغضب حد منعها من نيل ثقة البرلمان عبر قطع طرق النواب اليه، علما ان الميثاقية السنّية غير مؤمّنة لها بفعل مقاطعتها ليس فقط من قبل تيار المستقبل، بل من أغلب الطائفة التي رفضت طريقة تكليف دياب من قِبل الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، وربما تُرجم هذا “الفيتو” ايضا في مجلس النواب، بمقاطعة جلسة الثقة.
بعد سرد هذه المعطيات، تشير المصادر الى ان “مصلحة” الفريق الحاكم اليوم تكمن في تسريع التشكيل قدر الامكان، وفي وقف المناكفات بين اهل البيت الواحد، ورفع العقبات من امام الرئيس المكلّف، فيؤلّف حكومة مختلفة “جذريا” عن كل الحكومات السابقة، بما يتلاقى وتطلعات الشعب اللبناني الثائر وشروط المجتمع الدولي ليسارع الى نجدة لبنان. فالاعتبارات المذهبية والسياسية والطائفية والمناطقية التي يتلهى بها طباخو التركيبة، ثانوية حتى انها باتت من الماضي بعد اندلاع ثورة 17 تشرين، فيما العاملُ الوحيد المطلوبة مراعاته اليوم هو الكفاءة والاستقلالية، دائما وفق المصادر التي تقول: فلتؤلَّف حكومة من ذوي الاختصاص، أيا كانت “هوياتهم” وانتماءاتهم، لا فرق، المهمّ ان ينكبّوا على انقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية غير المسبوقة… واذا فعل دياب ذلك، كتب الحياةَ لحكومته وللبنان. أما اذا لم يفعل وقدّم تركيبة “تقليدية” “مسيّسة”، فالخوف كبير من سلوك الامور المنحى الاخطر، شعبيا واقتصاديا. فأي طريق سيختار؟