كتب د.ناصر زيدان في “الانباء الكويتية”:
رغم أن الانتفاضة الشعبية فرضت نفسها على الحياة السياسية اللبنانية، وهي هشمت بعض النزعات الطائفية، وجففت بعضها الآخر، وبدت الوحدة الوطنية في أبرز تجلياتها، وهي طالبت بإلغاء هذه الطائفية، وإقامة دولة مدنية، وفقا لما قاله أغلبية المتظاهرين في البيئتين الإسلامية والمسيحية على السواء، لكن كل ذلك لم يلغ حتى الآن الصيغة المعتمدة لتقاسم السلطة في لبنان، وبالتالي فإن توزيع المقاعد الوزارية والنيابية ما زالت تعتمد على مندرجات المادة 95 من الدستور التي تعطي المواقع الوزارية والنيابية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ونسبيا بين مذاهب كل من الطائفتين.
طائفة الموحدين المسلمين المعروفين بالدروز كانت أساس تشكيل الكيان اللبناني منذ القرن السادس عشر، وكان مشايخها وأمراؤها وفقا لتقاليد ذلك الزمان، حكام البلاد التي تتمدد أو تتقلص وفقا لقوة هؤلاء وتحالفاتهم الخارجية، ومن المعروف أن الأمير الدرزي فخر الدين الثاني التي امتدت إمارته من حمص شمالا حتى عكا جنوبا في القرن السابع عشر، هو من عزز نفوذ المسيحيين ودعاهم للقدوم من الشمال للمساعدة في إنماء المناطق الجنوبية من جبل لبنان.
وقد استمر نفوذ الدروز قرون عديدة، وبعدها تقلص نفوذهم من جراء التدخلات الأجنبية ايام متصرفية جبل لبنان التي أقامها العثمانيون بتوصية من الدول الاستعمارية الكبرى، يترأسها حاكم مسيحي من رعايا الدولة العثمانية.
يقول مرجع روحي: ان الدروز يشعرون بالإحباط اليوم، لأن النفوذ السياسي الذي كان يتمتع به زعماؤهم تقلص الى حد كبير.
وهؤلاء كانوا يرتضون بالحصول على وزارات غير سيادية خلال فترة وجود السوريين في لبنان، لأنهم كانوا يرغبون في الابتعاد عن الصدام مع أجهزة الأمن والاستطلاع السورية التي كانت تدير الملفات الخارجية والداخلية والدفاعية، علما أن وزارة الدفاع أو الداخلية غالبا ما كانت من حصة الدروز على الدوام قبل اتفاق الطائف.
ويقول المرجع الروحي ذاته: حصول الدروز على وزارة سيادية على الدوام إضافة لوزارة أساسية أخرى، لم يكن بمحض المصادفة، بل كان بقصد تعزيز تمثيلهم في السلطة، لأنهم حرموا من المواقع الرئاسية، وحتى من موقع نائب رئيس في الحكومة وفي مجلس النواب، ولا يتولون قيادة مؤسسات فاعلة أمنية واو عسكرية أو مدنية.
لكن ارتضوا بحضور سياسي كبير كان يمثله زعيمهم الأول وليد جنبلاط، بحيث كان يوصف بالرئيس الرابع.
جنبلاط لا يريد أن يخوض في اللعبة الطائفية بتفاصيلها، لأن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يترأسه، يضم في صفوفه كوادر من كل الطوائف، وهو يدعو لإلغاء الطائفية السياسية.
من الواضح أن جنبلاط خرج عن صمته هذه المرة رافضا تهميش الدروز في الحكومة الجديدة، بعد أن سرت شائعات عن منحهم مقعدا وزاريا واحدا، وبحقيبة ليست أساسية.
وقد غرد محملا «صهر السلطان» قاصدا الوزير جبران باسيل مسؤولية تهميش الدروز، لأن لذلك عواقب كبيرة.
بالفعل، فإن الوضع الدرزي يغلي على نار مشتعلة. وتقول فعاليات درزية مؤثرة: لا يمكن السماح بتهميش الدروز إطلاقا.
وما وصلت إليه الأمور لم يعد مقبولا، فقد وعد الدروز بترؤس مجلس الشيوخ، لكن المجلس لم ينشأ بعد، رغم مرور 30 عاما على اتفاق الطائف.
وتقول هذه الفعاليات: من يعتقد أن الدروز لم يعد لديهم القدرة على التأثير الواسع في سياسة البلاد، مخطئ.
فالدروز مازال لديهم الإمكانية لقلب الطاولة برمتها، وعندما يتعلق الأمر بكرامتهم، لا يسألون عن خطورة النتائج.