كتب رامح حمية في “الاخبار”:
ليس ثلجاً ذاك الذي علا أخيراً أعمدة جوبيتر الستة في قلعة بعلبك الأثرية، بل طلاء أبيض أثار انتقادات واسعة وسط رواد مواقع التواصل الاجتماعي لمجلس الإنماء والإعمار وبلدية بعلبك ومديرية الآثار، باعتباره تشويهاً طال الجزء الأهم من القلعة، وهو التاج الذي يربط بين أعمدتها الستة الشهيرة. المنتقدون استعادوا صور «التشوّهات» التي طالت معبدي باخوس وفينوس والفسحة الامامية لمعبد جوبيتر عام 2017 خلال فترة الترميم الأولى التي أثارت موجة استياء أيضاً بسبب الأساليب التي اعتمدت، من الضرب بالرمل بشكل جائر إلى طرق بدائية في الاشغال.
الاختلاف بين ألوان الأعمدة وجزء من التاج، وبقية أجزائه التي طليت بالأبيض، ردّته الجهات المشرفة على أعمال ترميم المرحلة الثانية إلى ضرورات الحفاظ على هذا المعلم الانساني. رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق أكد لـ«الأخبار» أن الأمر «مدروس وبإشراف من بلدية بعلبك ومجلس الإنماء والإعمار ومديرية الآثار»، موضِحاً «أننا بدل استخدام الاسمنت فضّلنا استخدام اللون الابيض الذي يتغيّر لاحقاً بعد تفاعله مع عوامل المناخ»، مشدداً على حرص البلدية على القلعة.
بدورها، مصادر مديرية الآثار أوضحت لـ«الأخبار» أن الفرنسيين نفذوا في القلعة عام 1933 أعمال ترميم بالاسمنت الذي يحتوي على أملاح تؤدي الى تشققات في الحجر، وينتج عنها تفتيت بعض أجزائه، وهو ما تعاني منه أعمدة معبد جوبيتر منذ زمن الانتداب الفرنسي». وأشارت إلى اكتشاف «أضرار كبيرة لحقت بالتاج والأعمدة، خصوصاً أن الفرنسيين نفذوا وصلة كاملة للأعمدة حيث باتت مترابطة كعمود واحد بدلاً من ستة. ولضرورة استعمال مواد تمنع التشققات وتحمي الحديد، اقترح المهندسون الإيطاليون المشرفون على الترميم اليوم مادة عازلة خضراء، ولكننا فضّلنا الأبيض لأنه الأقرب الى لون القلعة. والأمور تمت تحت إشراف ورقابة لجنة من الاونيسكو وصفت أعمال الترميم بأنها من أكبر المشاريع التي نفّذت وفق الأصول في الشرق الاوسط».
المرحلة الثانية لترميم معبد جوبيتر انطلقت منذ سنتين تقريباً بعد انتهاء أعمال ترميم المرحلة الاولى بداية عام 2017، وبتمويل من البنك الدولي ووكالة التنمية الايطالية وإشراف من مجلس الإنماء والإعمار والمديرية العامة للآثار وتنفيذ شركة إيطالية. «المهندس المشرف على عملية الترميم من قبل مجلس الإنماء والإعمار جان ياسمين أكد لـ«الأخبار» أن المادة البيضاء اختارتها لجنة تضم نحو 30 خبيراً، و«كانت الأفضل والأقرب الى الطبيعة، وهي مادة لتغطية الاسمنت الذي استعمل قبل أكثر من ستين عاماً، ولتأمين الحماية الكاملة للأعمدة وتاجها، ومنع التآكل الذي ألحق أضراراً كبيرة بالتاج والأعمدة». أما اللون الاسود الذي يسيطر على الأعمدة وتاجها فأكد ياسمين أنه عبارة عن «مرض يأكل الحجر ويحوّله إلى أشبه بجفصين. وكل دول العالم تعمد عند الترميم والمعالجة الى نزع الاسوداد لوقف نخر الحجر. ونحن فخورون بأننا نجحنا في ذلك، بعدما وصل التفتّت والتآكل الى مرحلة خطيرة».