كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
تشكّلت الحكومة قريباً أم تأخرت، لم يعد بإمكان القوى السياسية التي استنبطت اسم الدكتور حسان دياب أن تتراجع عن هذا التكليف. فهذا التراجع سيكلفها ثمناً لا يقل عن كلفة التكليف الذي لجأت إليه، في ظل معارضة قوى وازنة له، بعد أن وقع الخلاف بينها وبين زعيم “تيار المستقبل” رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، على قراءة المرحلة الجديدة التي فرضتها الانتفاضة الشعبية منذ 17 تشرين الأول الماضي.
هذا هو الانطباع الواقعي الذي تفرضه معادلة الصراع السياسي الراهن في لبنان، إزاء توقعات البعض بألا يتمكن دياب من تشكيل الحكومة نتيجة غياب التغطية السنية له من جهة، ونتيجة التجاذب بين القوى التي تتولى أبوة التركيبة الحكومية، حول ما إذا كانت ستضم اختصاصيين مستقلين فعلاً أم انها ستُطعّم بسياسيين من الوزن الخفيف، أم أنها ستكون “مبندقة”، تكنو- سياسية تشترك الأحزاب في تسمية التكنوقراط فيها، من جهة أخرى.
لا مفر أمام “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” وحلفاء الثنائي الشيعي من إنجاز الحكومة وإلا أقروا بعدم صلاحيتهم لممارسة الحكم من دون الحريري والفرقاء الآخرين، بصرف النظر عن ترجيح عجز التركيبة الحاكمة المقبلة عن الحؤول دون احتمالات التدهور في الوضعين الاقتصادي والمالي.
وقد يكون لجوء دياب والثنائي الشيعي إلى تسمية بعض الشخصيات المستقلة وغير الخاضعة لمنطق المحاصصة السياسية والحزبية، من أجل محاولة إضفاء بعض الصدقية على هوية الحكومة، إحدى وسائل إغراء المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية كي لا تحكم على رئيس الحكومة وأعضائها على أنهم صنيعة “حزب الله” والفريق المتهم في “التيار الحر”، بالفساد وباتباع سياسات الانحياز إلى المحور الإيراني-السوري.
يفترض أن يبذل “حزب الله” جهداً كبيراً وخارقاً لدفع التهمة عن هذه الحكومة على أنها حكومته، بعد أن سعى جاهداً لإثبات العكس في حكومة الحريري المستقيلة ولم يفلح. أما إقناع القوى الدولية والدول العربية المعنية بمساعدة لبنان على تفادي الانهيار الكلي في اقتصاده ووضعه المالي، بأن الحكومة المقبلة مستقلة، سيكون أكثر صعوبة مع الرئيس دياب الذي استقبله الإعلام الغربي على أن “حزب الله” هو من سماه.
وإذا كان السؤال هو إلى أي مدى يستطيع الرئيس المكلف أن يفي بوعده الإتيان بحكومة مستقلين فعلاً لا قولاً، كي يرضي الحراك الشعبي من جهة ويستجيب للمقاييس الدولية المطلوبة كي يتلقى المساعدة المالية من جهة ثانية، فإن هذا السؤال موصول إلى “حزب الله” ومدى اقتناعه، ورئيس مجلس النواب نبيه بري بوجوب الانسجام مع هذه المقاييس. فمن دون الأخذ بمطلب الانتفاضة الشعبية بحكومة مستقلين، ينتظر أن يشهد لبنان عودة إلى تزخيم الحراك الشعبي على رغم محاولة إجهاضه من الداخل من قبل قوى 8 آذار، عبر اختراق ساحاته بأسلوب مخابراتي معهود، ويفترض أن يمتنع المجتمع الدولي عن تقديم المساعدة الممكنة. هذا مع توقع تصعيد العقوبات الأميركية على “حزب الله”، والاتجاه الأميركي إلى التشدد في حظر النشاط الاقتصادي والمالي الداعم للنظام السوري انطلاقاً من لبنان، بعد صدور قانون “سيزر لحماية المدنيين السوريين” عن الكونغرس قبل أقل من أسبوعين.
إنجاز حكومة سياسية بقبعة اختصاصيين سيطرح التحدي أكثر على القوى السياسية التي خرجت من التركيبة الحاكمة: تيار “المستقبل”، حزب “القوات اللبنانية”، “الحزب التقدمي الاشتراكي”، وحزب “الكتائب”، وغيرها. فقدرة هذه القوى على تشكيل معارضة متماسكة وواضحة الأهداف والشعارات، في ظل الخلافات التي استحكمت فيها بعد ثورة 17 تشرين الأول، غير مضمونة. أما المزيد من التدهور الاقتصادي وانعكاساته على اللبنانيين، فهو آخر هموم طابخي الحكومة والدول التي تتفرج عليهم.