Site icon IMLebanon

الردّ الإيراني بين ماء الوجه… والرأس! (بقلم رولا حداد)

لن ينفع جميع منجّمي الكون لتوقّع مشهد المرحلة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط. سيجهد المحللون في محاولة قراءة مرحلة ما بعد اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، لكنهم لن ينجحوا وذلك لأسباب معقدة جداً.

يُخطئ من يعتقد أن القرار الإيراني بالردّ على عملية الاغتيال محسوم، سواء لجهة الرد بحد ذاته أو على الأقل لناحية مكانه وزمانه وحجمه. فإيران التي تعاني ما تعانيه ماليا واقتصاديا واجتماعيا جراء العقوبات المالية الأميركية القاسية جدا، وما نتج عنها من تراجع واضح في قدراتها على التمويل داخلياً فلجأت إلى فرض ضرائب على المحروقات ما أدى إلى اشتعال احتجاجات أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 1500 قتيل وعشرات آلاف المعتقلين، كما نتج عنها تراجع قدراتها على تمويل ميليشياتها في المنطقة، لا تبدو اليوم في وضع يسمح لها بالذهاب إلى حرب كبرى ولا حتى إلى ردّ على اغتيال سليماني يفتح الباب لتعرضها لضربات موجعة في الداخل الإيراني قد تؤدي إلى سقوط نظامها المتآكل في الداخل بفعل إصرارها على مبدأ تصدير الثورة والإنفاق على الخارج في حين أن شعبها يجوع.

كل ما سبق يؤكد أن إيران التي كانت تتصرف في السابق على قاعدة أن ليس ثمة من يردعها ولا من يرغب في ردعها، وبالتالي فهي تستطيع أن تعربد في المنطقة كما يحلو لها، والأمثلة كثيرة وآخرها تجربتا ضرب منشآت “آرامكو” في السعودية وإسقاط طائرة التجسس الأميركية من دون طيار وكيف بقي هذان الاعتداءات الإيرانيان من دون عقاب. أما مع تصفية سليماني فقد أتى “القصاص” الأميركي قاسياً بعد سلسلة طويلة من الجرائم التي بقيت من دون عقاب، وذلك من خلال الإطاحة بالرجل الثاني في إيران عملياً بعد المرشد الأعلى لناحية النفوذ والمكانة ومدى قربه من السيد علي خامنئي.

في المقابل فإن الولايات المتحدة تمكنت في ضربة واحدة ومحكمة من استعادة هيبتها وقدرتها الردعية بعد عقد من الزمن كلّله التخاذل والإحجام عن التصرّف ميدانياً، وذلك منذ وصول الرئيس السابق باراك أوباما إلى البيت الأبيض. وبضرب سليماني ورفاقه برهنت واشنطن أنها قادرة على الإطاحة بمن تشاء من دون وجود أي خطوط حمر، كما أن تبني العملية علناً والذهاب في تحدي نظام الملالي إلى حد الإعلان عن تحديد 52 هدفاً في قلب إيران، وفاء لذكرى الـ52 أميركياً الذين احتجزوا لفترة في السفارة الأميركية في طهران في زمن الثورة الخمينية والإطاحة بنظام الشاه، ما يعني أن دفتر الحسابات القديمة والحديثة مفتوح من قضية الـ52 أميركياً وليس انتهاءً بـ”آرامكو” وإسقاط طائرة التجسس ومحاصرة السفارة في بغداد، وهذا ما أشار إليه الرئيس دونالد ترامب بإعلانه عن إنفاق الولايات المتحدة مؤخرا ألفي مليار دولار على التسلّح وباستعداده من دون تردّد إلى إرسال قسم منهم لضرب إيران.

هل هذا يعني أن لا ردّ إيرانيا؟ أبداً. فمن يعرف إيران يدرك أن نظام تصدير الثورة لا يقبل بعدم حفظ ماء وجهه وكسر هيبته في المنطقة. وبالتالي فإن قيام إيران بالرد يبدو أقرب إلى الحتمية، إنما كالعادة قد تلجأ طهران إلى استعمال أدواتها وميليشياتها في المنطقة للردّ ومحاولة تفادي أن تتحمّل إيران نتائج الردّ على الردّ. وبالتالي، وبالمنطق الإيراني التقليدي، فإن العراق كما لبنان معرضان ليكونا ساحتين للردود وتحمّل تبعاتها، فهل من يتّعظ في لبنان ويجنّبنا تحويل البلد المنهار ساحة بريد للمصالح الإيرانية وخطوط تماس للمواجهة الإيرانية- الأميركية؟