لا يحتاج المرء الى كثير من التعمق لمعرفة الأسباب التي اوصلت البلاد والعباد الى حال التخبط الانهياري والفوضى شبه الكاملة التي تجتاحنا في لبنان، فهذه الأسباب باتت متناقَلة على ألسنة كافة اللبنانيين تقريبًا، خصوصًا بين أولئك الذين ضاقوا ذرعًا بالمنظومة التي تحكّمت بهم منذ عشرات السنوات وانتفضوا بوجهها.
وفي وقت ان “الهبّة” العارمة التي صدمت كثيرين، على الرغم من توفّر مقومات نشوئها منذ زمن، تنتفض أولًا بوجه الكذب المفضوح الذي مارسه معظم الطبقة السياسية منذ سنوات على الشعب اللبناني من دون تحقيق أي إنجاز يذكر، يبدو ان البعض يصرّ على محاولة استغباء الشعب اللبناني عبر استمراره باعتماد اسطوانات اكل الدهر عليها وشرب، مستخدمًا شعارات فارغة ساهمت بشكل فاضح باقتراب وطن الأرز من نقطة اللاعودة.
يقول احد المتابعين العرب عبر “تويتر” في تعليق على كلام الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي توعّد الاميركيين في المنطقة بالويل والثبور وعظائم الامور “ما ضيّعكم الا الشعارات الفارغة”… لعلّ هذه الكلمات البسيطة والقليلة كافية فعلًا لشرح “قصة حزينة” نعيشها منذ سنوات طويلة… شعارات شعارات شعارات لا تنتهي ومطوّلات لا طائل منها ولم تجلب للبنان سوى روايات تكاد تلامس الخيال لا بل ابعد من ذلك جلبت الدمار في كثير من الأحيان، وذلك كله تحت شعار أساسي “انتصار لو شو ما صار”!
لم تعد من معايير للانتصار في بلدنا! فالجميع منتصر ومهما كان الحال والواقع، لا فرق، الانتصار لا تصنعه الوقائع انما الكلمات، والكلمات فقط! قد نفهم ان يعمد الاطراف السياسيون الى تحشيد انصارهم وتجييشهم تحت هذه الشعارات ذاتها التي ما ملوا يسمعونها، لكن ان نسمع كل ذلك الصراخ والتهديد والاطاحة بما تبقى من اكذوبة النأي بالنفس عز وطأة الانهيار الذي تكاد ملامحه تخنقنا جميعًا فهذا يعني اولا استخفافًا تامًا بمصالح الشعب اللبناني واستعلاءً غير مقبول ما انفكّ “حزب الله” يمارسه لكنه هذه المرة يبدو ان نتائجه ستكون مدمّرة ولن تستثني احدًا…
من الواضح ان معالم المواجهة في المنطقة لم تعد تكتفي برسم خطوط حمر لا يُسمح بتجاوزها بل هي تتخذ أبعادًا لم نشهدها منذ فترة طويلة في صراع النفوذ الدائر، في وقت ان ثمة من يصرّ على إغراقنا في رمال موحلة لا سبيل لنا على مجابتها وإدخالنا في محاور ستزيد من عزلتنا في عز حاجتنا الى وقوف الاصدقاء والاشقاء في صفنا اكثر من أي وقت مضى…! انها الشعارات الفارغة التي ضيّعتنا فعلًا.. ولعلّ المسارعة الى التخلص من صدى هذه الشعارات المدمرة والانطلاق نحو العمل الجدي السريع من الاطراف التي ما زالت تعتبر نفسها مسؤولة على وضع مصلحة لبنان اولًا من خلال تشكيل حكومة تلبي اولا تطلعات اللبنانيين شبه اليائسين وتعمل على تحييد لبنان ومنع انزلاقه نحو لعبة المحاور القاتلة، قد تعطينا فرصة ولو ضئيلة في النجاة من الامواج المتلاطمة التي تطيح بنا من كل جانب!