Site icon IMLebanon

كيف سيشارك “الحزب” في “القصاص العادل”؟

كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:

أطلق خطاب الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله معادلة جديدة على مستوى النزاع بين محور المقاومة والولايات المتحدة الاميركية، قوامها: «الوجود العسكري الاميركي في الاقليم مقابل دماء اللواء قاسم سليماني». فما هي الترجمة العملية لهذه المعادلة؟

لقد انطوت مواقف السيد نصرالله في خطاب «القصاص العادل» على رسالة غير مشفّرة الى الادارة الاميركية، جوهرها انّ محور المقاومة هو الذي سيرسم قواعد الاشتباك الجديدة في المنطقة بعد اغتيال قائد «فيلق القدس» وليس واشنطن، وأنّ بمقدور ترامب أن يطلق صافرة البداية لفصل مختلف من المواجهة كما فعل عبر عملية الاغتيال، إلّا انه لا يستطيع وحده ان يتحكّم بشكل النهاية.

واذا كان ترامب قد اختار العراق مسرحاً لتوجيه ضربته الكاسرة لقواعد اللعبة، فإنّ نصرالله أعطى اشارة واضحة الى انّ المنطقة برمّتها ستكون مشرّعة امام تنفيذ هجمات مسلحة عابرة للجغرافيا ضد القواعد والبوارج والمواقع والقوى العسكرية الاميركية، في محاولة للقول انّ الولايات المتحدة ربما تكون قد اقتنصَت زمام المبادرة لبعض الوقت من خلال استهداف سليماني والمهندس، لكنها لن تستطيع الاحتفاظ بها طويلاً.

و»حزب الله» الذي وصل مع حلول 2020 الى أقصى قوته العسكرية والتنظيمية، استعاد عبر خطاب أمينه العام أمس مرحلة «البدايات الثورية» وتحديداً مناخات مطلع الثمانينات عندما بدأت مجموعات إسلامية (تحولت لاحقاً نواة «حزب الله») بشَن هجمات ضد قوات «المارينز» التي كانت تنتشر في بيروت ضمن القوات المتعددة الجنسية التي أتت الى لبنان عقب الاجتياح الاسرائيلي له عام 1982، ما دفع الجنود الاميركيين والاوروبيين بعد حين الى الرحيل القسري.

وعقب عقود من المقاومة الشرسة ضد الاحتلال الاسرائيلي، تلتها معركة قاسية مع التكفيريين، ها هو النزاع يتدحرج الى مربعه الأول مرة أخرى، وها هو «حزب الله» يضع مجدداً المواجهة مع الجيش الاميركي على رأس قائمة الاولويات تحت شعار تحقيق «القصاص العادل».

لكنّ اللافت في «بنك الاهداف» الذي أعلن عنه نصرالله هو انه استثنى منه المدنيين الاميركيبن كلياً، محذّراً بنبرة قاطعة من أي استهداف لهم، ما بدا أنه استفادة من دروس الماضي وتصويب لوجهة المستقبل.

وما يجدر التوقف عنده في خطاب «القصاص العادل»، هو انّ نصرالله لم يدرج الكيان الاسرائيلي ضمن دائرة الرد المتوقع على اغتيال سليماني والمهندس، الأمر الذي يمكن أن ينطوي على دلالتين: الأولى محاولة تحييد لبنان عن قلب العاصفة أو أقله عن الموجة الاولى منها، والثانية الاقتناع بأنّ إضعاف الوجود والنفوذ الاميركيين في المنطقة سيؤدي تلقائياً الى إلحاق الضرر الاستراتيجي بموقع اسرائيل ومصالحها، خصوصاً انّ الحزب يعتبر أنّ تل أبيب تؤدي أساساً «وظيفة» غربية، وخصوصاً اميركية في الشرق الاوسط، وانه لا يوجد فارق حقيقي بينها وبين واشنطن.

وفيما تبدو طهران عازمة على الانتقام من الاميركيين عبر «رسالة جوابية» مباشرة تحمل توقيعها الرسمي والصريح، هناك من استنتج من كلام نصرالله انّ حلفاء ايران في محور المقاومة يتجهون نحو رد «طويل النفس» يتمثّل في خوض «حرب استنزاف» ضد الحضور العسكري الاميركي على امتداد ساحات الاقليم، بدءاً من العراق الذي سيشكّل «بيضة القبّان» في توازنات المنطقة للمرحلة المقبلة، كون موازين القوى فيه لم تحسم نهائياً بعد، وبالتالي من يفوز به يكون قد امتلك التفوّق الاستراتيجي والقدرة على «التحكم والسيطرة».

ولمّا كان لبنان يخلو تقريباً من القواعد العسكرية الاميركية (علماً انّ هناك من يلفت الى وجود ما يشبه القاعدة الاميركية في حامات)، فإنّ ذلك يعني انه لن يكون مشمولاً على نحو أساسي بمفاعيل تهديد نصرالله، إنما مع الأخذ في الحسبان أنّ حدة الاستقطاب الاقليمي والدولي قد تشتد داخل الساحة اللبنانية في المستقبل القريب، الامر الذي من شأنه ان يضع حكومة الرئيس حسان دياب المرتقبة تحت ضغط إضافي.

وعلى الارجح، انّ «حزب الله» سيشارك في «القصاص العادل»، عبر توظيف خبراته و»خبرائه» وطاقاته وتحالفاته، في معركة إخراج الاميركيين من المنطقة، خصوصاً انه صاحب تأثير نوعي في اكثر من ميدان إقليمي.

وكان الحزب قد خاض أخيراً بنجاح اختباراً على حافة الهاوية، عندما رفض الخضوع الى تهديد ديفيد ساترفيلد الذي لوّح باحتمال تعرّض الحزب لضربة اسرائيلية قاسية بحجّة امتلاكه منشأة للصواريخ الدقيقة في البقاع.

يومها، طلب الاميركيون أن يتولى جهاز الامن العام، كونه موضع ثقة الحزب، إجراء مسح للمنشأة المَشكو منها حتى يتم التثبت مما اذا كانت تحوي صواريخ دقيقة أم لا، فأتى الجواب من القيادة في الضاحية الجنوبية بالرفض الحازم لهذا الطرح مهما كلّف الثمن، على قاعدة أنّ التدقيق الذي حصل سابقاً قرب المطار هو استثناء، جَرت الموافقة عليه لمرة واحدة، ومن غير المقبول تكراره مجدداً، لأنّ من شأن ذلك ان يحوّل الحزب رهينة المزاج الإسرائيلي والأميركي.