Site icon IMLebanon

عن استباحة المطار وطريقه تأييدا لايران وقادتها…

لم يكن ينقص لبنان إلا عملية كبيرة بحجم اغتيال شخصية كالقائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، بغارة أميركية استهدفته على مقربة من مطار بغداد، ليمعن بعض القابضين على زمام القرار فيه في استفزاز الناس وجرهم، رغما عنهم، إلى محور ايران الغارق حتى العظم في الصراع الاقليمي في مواجهة المعسكر الأميركي الذي يضم دول الغرب.

لا نجد أي تفسير آخر لمشهد النساء المؤيدات لايران وهن “يجتحن” بأصواتهن وشعاراتهن المناصرة للمرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي مرفقا عاما كمطار بيروت الدولي، بوابة لبنان من وإلى العالم، والذي استقبل زائريه في الأيام الماضية بصور ضخمة  لسليماني، القائد العسكري الايراني الذي لقي حتفه في غارة أميركية على أرض غير لبنانية. معادلة تجعل مجرد تعليق هذه الصور على طريق المطار تحديدا إمعانا في تحدي الدولة وناسها، في فصل جديد من هذا المسلسل الطويل الذي لا ينسى أحد أن بين حلقاته إطلاق اسم مصطفى بدر الدين، القائد الميداني في سوريا، والمطلوب رقم 1 للمحكمة الدولية، على أحد شوارع بيروت…

غني عن القول إن المشكلة ليست في تأييد المرجعية الدينية والسياسية الأعلى في ايران، وفي استنكار إغتيال شخصية سياسية، فالتوجه السياسي لكل إنسان ينبع من حرية شخصية وإنسانية لا جدال فيها. المعضلة تكمن في استباحة المرافق العامة لغايات ومآرب سياسية لا تلتقي مع مصلحة الدولة والشعب العليا، ولا تخدم إلا أهداف محور دون سواه وتوجيه الرسائل السياسية البعيدة المدى على حساب لبنان دولة وشعبا ومؤسسات. وإذا كان ذلك أمرا مستنكرا ومدانا، فإن الأدهى أنه تصرف صادر عن فريق سياسي  حاضر بقوة في مجلس النواب، الممثل الرسمي للشعب، ويخوض كبريات المعارك لصون حصته الوزارية، وحضوره في الحكومات المتعاقبة، وقد عطل مسارات تشكيلها مرات عدة لا لشيء إلا لتأمين تنفيذ شروطه بحذافيرها تماما كما فعل لخوض غمار الاستحقاق الرئاسي الأخير، حيث أعلن بوضوح  أن لا مشكلة في تعطيل البلاد لايصال مرشحه إلى الرئاسة…

على أي حال، فإن القضية اليوم تقفز بعيدا فوق الكباش السياسي الداخلي المعتاد، إلى حد الاجهاز على ما تبقى من هيبة وسيادة الدولة في لبنان، واستسهال تحويل البلاد إلى ساحة لتبادل الرسائل الاقليمية، في وقت لا تزال الحكومات المتعاقبة تلتزم، في الشكل على الأقل، بسياسة النأي بالنفس التي أقرت في إطار إعلان بعبدا المذيل بتوقيع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، بصفته ممثل حزب الله إلى الطاولة الحوارية الجامعة التي استضافتها بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان.

قد يقول قائل إنها ليست المرة الأولى التي تصاب فيها هذه السياسة الهادفة إلى حماية لبنان من نيران المنطقة وتصفية الحسابات والحروب فيها بدماء الأبرياء. لكن الأخطر يكمن في أتها قد لا تكون الأخيرة، ما دام هناك من يمضي بلا هوادة في نحرنا بدفعنا إلى… دفع ثمن حروب الآخرين التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل من أرواحنا وأرزاقنا وأعمارنا. بدليل أن لبنان من أقصاه إلى أقصاه انتظر مرتاعا كلمة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله لتبيان ما إذا كان سيكون من ضمن ميادين المواجهة الأميركية الايرانية في المنطقة، والتي أضحت مباشرة بعد الاعلان عن استهداف سليماني تحديدا بغارة أميركية في بغداد. وإذا كان نصرالله قد بدا شديد الحرص على عدم الاتيان على ذكر لبنان في خطابه إلا عرضا، فإن الفيديو المتداول للسيدات يتحدين هيبة الدولة في المطار، بدا الرسالة الأولى إلى الغرب عن إغراقنا في المحور المعادي له، علما أننا بلاد غرقت في محظور الانهيار الذي لن ينتشلها منه إلا “العون” المادي الغربي والعربي، والذي قد لا نرى منه شيئا إذا استمرت الممارسات الاستفزازية من هذا النوع، فيما الضائقة الاقتصادية لن توفر أحدا، وهو ما بدأ بعض المناطق المعتبرة قلاعا محصنة للثنائي الشيعي يشعر به، ما دفع أبناءها إلى المشاركة في الثورة الشعبية المستمرة.

وإذا كان الجميع يتهيب المرحلة المقبلة في المنطقة، والتي ينتظر أن تكون مطبوعة بالتصعيد السياسي، إن لم يكن العسكري أيضا، فإن مشهد مطار بيروت كرة يجب أن تحط في ملعب السلطة المفترض أن تضبط الاستفزاز السياسي على ايقاع هيبة الدولة وقوتها… في معناها الحقيقي.