كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
مفتخراً بلبنانيته، إعتلى كارلوس غصن منبر نقابة الصحافة اللبنانية مدافعاً عن نفسه من بلده الأم، بعد فراره من القضاء الياباني الذي اعتقله «ظلماً» نحو سنتين وفق تعبيره، فلم يتمّ تحديد موعد جدّي لمحاكمته ما دفعه الى «اتخاذ قرار شخصي بالهروب من اللاعدالة وليس الهروب من العدالة». ولكنه… سيخضع للقضاء اللبناني اليوم.
لأنّه مؤمن بالقضاء اللبناني، اختار غصن لبنان وجهته لا البرازيل أو فرنسا، وذلك ردّا على اسئلة أحد الصحفيين، مؤكّداً انّه «فخور» بلبنانيته وبالقضاء الذي سينصفه لأنّه «لم يأتِ بأي سوء» لبلده، معلناً أنّه مستعد لتقديم كل خبرته لإنقاذ لبنان اذا ما طُلب منه ذلك، سواء من خلال منصب سياسي أو من دون مناصب.
وعلمت «الجمهورية» من مصادر قضائية موثوقة، أنّ المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري سيستمع اليوم الى إفادة غصن في سياق الإخبار الذي قدّمه المحامون حسن بزي وعلي عباس وجاد طعمة ضدّه بجرم «دخول بلاد العدو الأسرائيلي والتعامل الاقتصادي معه»، فيما أمهل خوري المحامين لتقديم بعض الادلة الاضافية.
وتفيد المصادر نفسها، أنّ الإخبار ضد غصن حول زيارته إسرائيل عام 2008 واجتماعه يومذاك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ومع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، والتقط معهما الصور التذكارية التي قدّمها المحامون ضمن إخبارهم، تؤكّد حصول الإجتماع الذي كان يتعلّق بصفقة بيع شركة «رينو» الفرنسية لإسرائيل سيارات كهربائية، في وقت تعتبر الدولة اللبنانية زيارة أي لبناني لإسرائيل جريمة يُعاقب عليها القانون، فيما التعامل التجاري معها يُعتبر جرماً جزائياً يجب التحقق منه ومحاكمة مرتكبه.
وتوضح المصادر القضائية نفسها، انّ غصن وبعد الإستماع اليوم الى إفادته، قد يستفيد من عامل مرور الزمن اذا كانت تهمته جنحة، وهي عبارة عن تسهيل معاملات مالية لدولة العدو، أي السجن ثلاث سنوات، فتكون قد سقطت بمرور الزمن.
أما في حال كان غصن قد عقد أعمالاً تجارية مع إسرائيل، فيُطبّق عليه قانون مقاطعة اسرائيل وتُوجّه اليه تهمة الجناية ومدتها عشر سنوات، وبالتالي لن يخدمه مرور الزمن في هذه الحال، لأنّ العقد التجاري استمر مع دولة اسرائيل الى ما بعد عام 2008، وبذلك تكون النقطة القانونية العالقة، إمّا جنحة ويخدمها عامل مرور الزمن، وإمّا جناية لم تسقط مع مرور الزمن.
إعتراف بزيارة اسرائيل
علماً أنّ غصن إعترف في مؤتمره الصحافي أمس بأنّه زار اسرائيل «كمواطن فرنسي»، لأنّه يحترم القانون اللبناني، ودخلها بواسطة جواز سفره الفرنسي. مبرراً الزيارة بأنّها تمّت بصفته المدير العام لشركة «رينو» الفرنسية، بعدما طُلِب منه عقد صفقة في اسرائيل لبيع سيارات تعمل على الكهرباء … في وقت ذكّر غصن بعودته الى لبنان في العام نفسه 2008 ، أي بعد زيارته اسرائيل، ولم يتمّ الادّعاء عليه في حينه، متسائلاً عن التوقيت والهدف من الإخبار الموجّه ضدّه الآن.
والى ذلك، لم يتردّد غصن في «الاعتذار للشعب اللبناني» وكذلك للدولة اللبنانية، اذا ما كانت زيارته لإسرائيل قد خدشت شعورهما وأثّرت عليهما.
لكن مصادر قريبة من غصن ذكّرت بأنّ الدولة اللبنانية اصدرت طوابع بريدية باسمه عام 2017 لتكريمه «ولو كانت مقتنعة بوجوب محاسبته لما أقدمت على اصدار مثل هذه الطوابع».
ولم يكشف كارلوس غصن عن هوية المسؤولين السياسيين الذين التقاهم منذ لجوئه في الآونة الاخيرة الى لبنان، كذلك لم يكشف عن حقيقة لقائه برئيس الجمهورية ميشال عون، مُفضّلاً طرح هذا السؤال على المعنيين، تاركاً الخيار لهؤلاء في الكشف عن تفاصيل تلك اللقاءات، وقائلاً: «لن أقول اي شيء سيصعّب على السلطات اللبنانية مهمتها ومن شأنه ان يؤذي الحكومة اللبنانية وشعبها».
ثلاث ساعات وقوفاً!
لم يتعب كارلوس غصن من المرافعة ومن الإجابة عن أسئلة الصحافيين وقوفاً على مدى ثلاث ساعات متواصلة، كما لم يغفل ذهنه عن متابعة أي حركة أو تعليق للصحافيين الذين بلغ عددهم 150 صحافياً محلياً وأجنبياً، حضروا مؤتمره الصحافي الأول في بيروت بعد فراره الغامض من طوكيو.
ولم يشأ غصن الحديث بإسهاب عن فراره هذا «حماية» لمن ساعده أولاً و»احتراماً للعلاقة بين الدولة اللبنانية والدولة اليابانية ثانياً».
و»القرار الاصعب» الذي اتخذه في حياته وفق تعبيره، لم يتخذه اعتباطياً «بل إتخذته بعدما تمّ انتزاعي من عائلتي وزوجتي واحبائي». إلاّ انّه قرّر «كشف الحقيقة» من لبنان، وقال انّ توقيفه «كان نتيجة خطة وضعها المديرون في شركة «نيسان» وكذلك نتيجة «تواطؤ» ضده بين شركة «نيسان» والمدّعي العام الياباني». واكّد أنّه يتطلع الى «بروز الحقيقة»، وأنّه قرّر الهروب بعدما تأكّد من أنّه لن يحصل على محاكمة عادلة، لأنّ المدّعين العامين في اليابان تحرّكهم نزعة كسر سمعته، وهم الاشخاص المسؤولون عن سوء النظام في بلد معاصر وحديث لأنّهم يتلاعبون بالحقيقة، حسب تعبيره. وتحدث غصن عن سببين لقرار توقيفه:
ـ الاول، الوضع في شركة «نيسان» الذي بدأ بالانحدار بداية 2017 فقرّر الانتقال منها الى شركة «ميتسوبيشي»، لكنها كانت تحتاج الى خبرته، فوعدها بأنّ عائدات هذه الشركة ستعود لترتفع بعدما فعل الامر نفسه مع «نيسان»، وهذا ما ذكرته «الجمهورية» في تقرير سابق، عندما كشفت انّ غصن غادر شركة «نيسان» تاركاً 20 مليار دولار، بعد ان ترأسها منذ عام 1999، فيما تسلّمها عاجزة مالياً. ولفت غصن الى انّ شركة «نيسان» خسرت 48 مليون دولار منذ توقيفه، وذلك بعدما كان تحالف رينو- نيسان «الرقم واحد» في العالم عام 2017.
«مثالاً يُحتذى» به
وأسف غصن من معاملة القضاء الياباني له، الذي خدمه لسبعة عشر عاماً، متسائلاً عماّ فعله ليستحق «اللاعدالة» لديه، لافتاً الى أنّه كان «مثالاً يحتذى» به في اليابان بعد معاناة شركة «نيسان» من المشكلات، إذ بين ليلة وضحاها إعتُبر ديكتاتوراً او مدنياً يُساق مكبّلاً حول خصره عند إقتياده من زنزانته للاستجواب لدى القضاء في طوكيو. وبُعيد انتهاء غصن من مؤتمره الصحافي، ندّد الادعاء العام في طوكيو بتصريحاته، متهمًا إيّاه بانتقاد المنظومة القضائية اليابانية بنحو «منحاز» و»غير مقبول». وقال الادعاء الياباني في بيان، إنّ اتهام غصن له بـ»التواطؤ» مع مجموعة «نيسان» هو «ادّعاء كاذب بنحو قاطع ومنافٍ للحقيقة».