كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
حمَل الأسبوع الأول من العام الجديد سلّة من البوادر السلبية محلّياً وإقليمياً، أثّرت صعوداً على أداء الدولار الأميركي الذي سبق أن استقرّ نسبياً في أسواق الصرف الحقيقية المعروفة بالموازية خلال الشهر الماضي على هامش وسطي بقيمة 2000 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
تحرّك سعر صرف الدولار إزاء العملة الوطنية صعوداً منذ 2 كانون الثاني من 2170 ليرة لبنانية لسعر المبيع الى 2350 ليرة لبنانية ليوم أمس، بزيادة بنسبة نحو 8 %. أما بالنسبة الى حركة الشراء للدولار، فارتفعت من 2100 الى 2300 ليرة أمس.
ويعود الإرتفاع الى أسباب سياسية محليّة وإقليمية. محلياً إثر إنتهاء موسم الأعياد وعودة الأسواق الى نشاطها المعهود في ظلّ تضاؤل احتمالات تشكيل حكومة، ومن خلال غياب أي أفق للحلّ على المستوى الداخلي. أما على الصعيد الإقليمي فنذكر مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني منذ 6 أيام وما استتبعه من توتر على الساحة اللبنانية بسبب انخراط حزب الله في الصراع الدائر في الإقليم. وأخيراً، شكّلت الضربة الإيرانية على الولايات المتحدة في العراق عاملاً غير مطمئن لتطوّر الأوضاع في المنطقة، فشدّ على عزيمة العملة الصعبة لمتابعة منحاها التصاعدي.
ولدى السؤال عن سبب ارتفاع الدولار وما اذا كان هذا التصاعد سيقوده نحو الـ2500 والـ3000 ليرة للدولار، يعزو المصرفيون والصيارفة هذا الأمر الى زيادة الطلب وقلّة العرض ليس إلا، بسبب استمرار وتيرة الطلب منذ بدء الثورة في 17 تشرين الأوّل.
الأمر الذي يطرح تساؤلات في وسط اللبنانين حول مدى إمكانية الإستمرار في الدولرة وفي تثبيت سعر صرف الدولار لدى المصارف عند سعر وسطي 1507.5 ليرات وعدم تحرير الليرة واستمرار تفاقم الأزمة؟
لا ريب أن تثبيت سعر صرف الليرة الذي بدأ العمل به عام 1998، كان الهدف منه تعميم الثقة لدى المواطنين والمستثمرين بالاقتصاد وبمصرف لبنان، إلا أنه اليوم ورغم انعدام الثقة بالمصارف اللبنانية محلياً ودولياً بسبب الإجراءات التقييدية التي تتخذها ودخول البلاد في مرحلة الإفلاس، فإن تحرير سعر الصرف في زمن الأزمات كما أوضح الخبير الاقتصادي والمصرفي نسيب غبريل لـ”نداء الوطن” في غير محلّه وخارج إطار البحث. وعزا غبريل السبب الى “الإيجابيات التي أثمرت تثبيت سعر صرف الليرة لا سيما في 14 شباط 2005 يوم اغتيال الرئيس الحريري وفي 11 تموز بُعيد العدوان الإسرائيلي على لبنان”.
واعتبر أن “تحرير سعر صرف الليرة إزاء الدولار يفتح المجال للمضاربين للدخول الى السوق ما يحول دون إمكانية السيطرة على تسعيرة الصرف، وسيؤدي الى حدوث تصدّع إجتماعي وزيادة فاتورة الإستيراد وكلفة الدين العام نسبة الى إجمالي الناتج المحلي فضلاً عن فقدان الثقة”. مؤكّداً أن “الحلّ للحؤول دون استمرار المنحى التصاعدي للدولار هو بدء الإصلاحات المطلوبة وتحقيق الفائض في الموازنة بدل وجود عجز… وليس تحرير سعر العملة الوطنية. وبعد تلك الإجراءات يمكن البحث في جدوى توسيع الهامش للسعر الرسمي لليرة إزاء الدولار”.
وعن استمرار الوتيرة التصاعدية للدولار وإمكانية بلوغه الـ3000 ليرة، أوضح أن “عدم اليقين والضبابية وعدم الإستقرار المحلي والإقليمي هي الاسباب في المضاربة غير المقصودة التي نعيشها اليوم والتي تتحكّم في السوق”، لافتاً الى أن “تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات هو الحلّ”.
وأكد أن “السوق اللبنانية تحتاج الى صدمة ايجابية ترفع ثقة المواطن وتريح السوق من خلال انتظام المالية العامة وتراجع الدين الى الناتج المحلي وتخفيض النفقات…”.
وفي هذا السياق نستذكر الإنهيار الذي حصل في الثمانينات لسعر الصرف اذ سجّل سعر صرف الدولار 2300 ليرة في العام 1988، ووصل إلى 3 آلاف ليرة في مطلع التسعينات، وقتها تمت طباعة العملة اللبنانية بكميات كبيرة لشراء الدولار من السوق، وتمويل صفقات أسلحة للجيش”. فغرقت السوق اللبنانية بالليرات، وانهارت العملة، بالتزامن مع أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية كانت تضغط كذلك في هذا الاتجاه، إضافة إلى مضاربات واسعة من السوق السوداء لم يكن باستطاعة البنك المركزي السيطرة عليها.
وبانتظار تشكيل حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات واستقرار الوضعين المالي والسياسي في البلاد، لا يمكن إزاحة الغيمة الضبابية وانقشاع الرؤية والتنبؤ سوى للأسوأ وتحقيق المزيد من التضخّم والإرتفاع في سعر صرف الدولار في سوق الصيارفة نتيجة المضاربة غير المقصودة.