كتب د. عامر مشموشي في صحيفة “اللواء”:
حجب غبار التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران في الأيام الخمسة أو الستة الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الضوء عن ملف تشكيل الحكومة ليتخبط في دهاليز حسابات داخلية وعابرة للحدود ضمن الفريق السياسي الواحد، وغداة الرد الإيراني الذي استهدف قاعدتين تتمركز فيهما قوات تابعة للجيش الأميركي والتحالف الدولي في العراق، هما عين الأسد الجوية التي تقع في محافظة الانبار غربي العراق، والقاعدة العسكرية في مطار اربيل في إقليم كردستان، شمالي العراق حيث تتمركز أيضاً قوات التحالف الدولي ومن ضمنها قوات أميركية وما رافق ذلك من مواقف لعدد كبير من كبار المسؤولين الأميركيين تضمنت رسائل موجهة مباشرة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى رئيسها دونالد ترمب.
تحمل أكثر من دلالة على ان إيران لا تسعى إلى مزيد من التوتير مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى وقوع حرب بين البلدين بقدر ما تهدف من وراء هذا الرد المدروس إلى الحفاظ على ماء الوجه، وإعادة فتح قنوات الحوار مع الإدارة الأميركية للوصول إلى تسوية ما تحافظ على مصالح الدولتين، غداة هذا الرد المدروس كان الجو اللبناني الداخلي لا سيما المتعلق منه بتشكيل الحكومة وسط معلومات عن عدول الثنائي الشيعي عن القبول بحكومة تكنوقراط والعودة إلى حكومة التكنو-سياسية تحسباً لكل الاحتمالات القادمة على المنطقة وحتى على العالم بأثره نتيجة التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
وكان اللافت في هذا المجال الموقف الذي نقله عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي بزي للرئيس نبيه برّي في لقاء الأربعاء النيابي وهو ان المرحلة الحالية تستدعي حكومة لمّ شمل جامعة، وان الوقت ليس وقت التلهي بشكل الحكومة على حساب جوهرها وبرنامجها.
موقف الرئيس برّي فُسر على انه رسالة موجهة إلى الرئيس المكلف تدعوه إلى الإقلاع عن حكومة الاختصاصيين التي لا يزال يتمسك بها والتفكير جدياً بحكومة وتضم كل القوى السياسية والحزبية في البلاد تقتضي المرحلة البالغة الخطورة التي تمر بها منطقة الشرق بعد التصعيد الذي بلغ ذروته بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على خلفية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
ومع ان أجواء حليفه حزب الله المعني الأوّل بهذه التطورات لا توحي بأن له مصلحة، في ما اقترح برّي لأنه من جهته يُدرك ان حكومة المواجهة في الداخل في ظل التطورات التي تعيشها المنطقة محكومة بالاعدام والفشل، وان اهون الشرور ولادة حكومة دياب المقترحة والموافق عليها من قِبل الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وباقي قوى الممانعة تبقى قادرة على لمّ الشمل الداخلي من جهة وعلى ان استجلاب المساعدات للنهوض بالوضع الداخلي المأزوم، مما يتيح له الانصراف إلى الشأن الإقليمي الأهم بالنسبة إليه، ولدعم وجهة نظره هذه يستشهد الحزب بالدعوات الدولية المتكررة إلى لبنان، وكان آخرها تغريدة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش من انه وجد نفسه ملزماً من باب الواجب والمسؤولية توجيه التحذير بلهجة قاسية من يفترض انهم اولياء الأمر وقيّمون على شؤون البلاد وعبادها بعدما لمس تقاعساً وقلة مسؤولية لدرجة حتمت عليه تذكيرهم بأدنى واجباتهم تجاه شعب يثور ضدهم، ووطن متروك لقدره يمضي بإرادتهم نحو الزوال بعدما بلغ قعر هاوية الانهيار.
إلا ان ما ينسب الى الحزب على هذا الصعيد، يبدو غير واقعي ومشكوك في صحته إستناداً الى ما صرح به الرئيس برّي في لقاء الأربعاء النيابي في الشأن الحكومي وإلى ما تداولته مصادر مقربة من الحزب عن ان السيّد نصر الله يريد حكومة «مضبوطة الايقاع» وتحت وصايته السياسية الكاملة لأن المنطقة وفق المعطيات المتوفرة عنده مقبلة على تطورات لن يكون بمنأى عن تداعياتها،ومن هنا تشدد المصادر على أن الحزب سيتمسك أكثر من أي وقت مضى بتشكيل حكومة تكنو-سياسية تضم الجميع، وهي نفسها الحكومة التي طالب بها حليفه بري، وذلك انطلاقاً من تطورات المنطقة المفتوحة على شتى الاحتمالات بما فيها الحرب.
غير ان مثل هذا السيناريو يصح قبل التطورات التي حصلت على الجبهة الايرانية- الأميركية في الساعات القليلة الماضية، وما كشف عنه الرئيس الأميركي في رده على عملية الثأر الإيرانية ضد القوات الأميركية التي نفذتها صباح أمس الباكر في قاعدتي عين الأسد واربيل سواء بالنسبة إلى الاضرار أو بالنسبة إلى ما يُمكن تسميته بالتنسيق المسبق بين العدوين الصديقين الذي يُمكن من خلاله المحافظة على ماء الوجه، وصولاً إلى ما ألمح إليه الرئيس ترامب من اتجاه العلاقات بين الدولتين لتأخذ منحى جديداً من المساكنة وربما إعادة التطبيع ما من شأنه ان ينعكس إيجاباً على ملف تشكيل حكومة التكنوقراط التي تمت الموافقة عليها قبل التكليف.